والثاني : أنه منصوب على الاستثناء.
الثالث : أنه مستثنى منقطع من قوله (لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا).
قال قتادة : أي : لا أملك إلا بلاغا إليكم (١) ، وقرره الزمخشري ، فقال : أي : لا أملك لكم إلا بلاغا من الله ، وقيل : (إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ) جملة معترضة اعترض بها لتأكيد نفي الاستطاعة وعلى هذا فالاستثناء منقطع.
الرابع : أنّ الكلام ليس استثناء ، بل شرطا ، والأصل : «إن لا» ف «إن» شرطية وفعلها محذوف ، لدلالة مصدره ، والكلام الأول عليه ، و «لا» نافية ، والتقدير : «إن لا أبلغ بلاغا من الله فلن يجيرني من الله أحد».
وجعلوا هذا كقول الآخر : [الوافر]
٤٩١٥ ـ فطلّقها فلست لها بكفء |
|
وإلّا يعل مفرقك الحسام (٢) |
أي : وإن لا تطلقها يعل ، فحذف الشرط ونفى الجواب ، وفي هذا الوجه ضعف من وجهين :
أحدهما : أن حذف الشرط دون أدلته قليل جدا.
والثاني : أنّه حذف الجزءان هنا ، أعني الشرط والجزاء.
فيكون كقول الشاعر : [الرجز]
٤٩١٦ ـ قالت بنات العمّ : يا سلمى وإن |
|
كان فقيرا معدما ، قالت : وإن (٣) |
أي قالت : وإن كان فقيرا معدما فقد رضيته.
وقد يقال : إن الجواب مذكور عند من يرى جواز تقديمه ، وإما في قوة المنطوق به لدلالة ما قبله عليه.
وقال الحسن : (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ). فإن فيه النجاة والأمان (٤).
قوله (مِنَ اللهِ). فيه وجهان :
أحدهما : أن «من» بمعنى «عن» لأن «بلغ» يتعدى بها ، ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «ألا بلّغوا عنّي» (٥).
والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه صفة ل «بلاغ».
قال الزمخشري : «من» ليست للتبليغ وإنما هي بمنزلة «من» في قوله تعالى (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة : ١] ، بمعنى : «بلاغا كائنا من الله».
__________________
(١) ينظر : القرطبي (١٩ / ١٨).
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : القرطبي ١٩ / ١٩.
(٤) ينظر : القرطبي (١٩ / ١٨).
(٥) تقدم.