قال الزمخشري : «الفاء» في قوله : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) للتسبيب ، كأنه قال : اصبر على أذاهم ، فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه. والفاء في «فإذا» متعلقة ب «أنذر» ، أي : فأنذرهم إذا نقر في الناقور. قاله الحوفيّ.
وفيه نظر من حيث أن الفاء تمنع من ذلك ، ولو أراد تفسير المعنى لكان سهلا ، لكنه في معرض تفسير الإعراب لا تفسير المعنى.
الثاني : أن يتتصب بما دل عليه قوله تعالى : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ).
قال الزمخشري : فإن قلت : بم انتصب «إذا» ، وكيف صح أن يقع «يومئذ» ظرفا ل (يَوْمٌ عَسِيرٌ)؟.
قلت : انتصب «إذا» بما دل عليه الجزاء ؛ لأن المعنى : فإذا نقر في الناقور عسر الأمر على الكافرين والذي أجاز وقوع «يومئذ» ظرفا ل (يَوْمٌ عَسِيرٌ) ، إذ المعنى فذلك يوم النقر وقوع يوم عسير لأن يوم القيامة يقع ، ويأتي حين ينقر في النّاقور ، انتهى.
ولا يجوز أن يعمل فيه نفس «عسير» ؛ لأن الصفة لا تعمل فيما قبل موصوفها عند البصريين ، ولذلك رد على الزمخشري قوله : أن (فِي أَنْفُسِهِمْ) متعلق ب «بليغا» في سورة «النساء» في قوله تعالى (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) [النساء : ٦٣] والكوفيون يجوزون ذلك وتقدم تحريره.
الثالث : أن ينتصب بما دل عليه «فذلك» ؛ لأنه إشارة إلى النقر ، قاله أبو البقاء ، ثم قال : «و «يومئذ» بدل من «إذا» ، و «ذلك» مبتدأ ، والخبر (يَوْمٌ عَسِيرٌ) ، أي : نقر يوم».
الرابع : أن يكون «إذا» مبتدأ ، و «فذلك» خبره ، والفاء مزيدة فيه ، وهو رأي الأخفش.
وأما «يومئذ» ففيه أوجه :
أحدها : أن يكون بدلا من «إذا» ، وقد تقدم ذلك في الوجه الثالث.
الثاني : أن يكون ظرفا ل (يَوْمٌ عَسِيرٌ) كما تقدم في الوجه الثاني.
الثالث : أن يكون ظرفا ل «ذلك» لأنه أشار به إلى النقر.
الرابع : أنه بدل من «فذلك» ولكنه مبنيّ لإضافته إلى غير متمكن.
الخامس : أن يكون «فذلك» مبتدأ ، و (يَوْمٌ عَسِيرٌ) خبره ، والجملة خبر «فذلك».
قوله : «نقر» ، أي : صوت ، يقال : نقرت الرجل إذا صوت له بلسانك ، وذلك بأن تلصق لسانك بنقرة حنكك ، ونقرت الرجل : إذا خصصته بالدعوة كأنك نقرت له بلسانك مشيرا إليه ، وتلك الدعوة يقال لها : النقرى ، وهي ضد الدعوة الجفلى ؛ قال الشاعر : [الرمل]