قال ابن الخطيب (١) : «وهذان يجب أن يكونا محمولين على الصلاة الواجبة ، والزكاة ؛ لأن ما ليس بواجب لا يجوز أن يعذّبوا على تركه».
(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) ، أي : في الأباطيل.
وقال ابن زيد : (نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وهو قولهم ـ لعنهم الله ـ : إنه ساحر ، كاهن ، مجنون ، شاعر كذبوا ـ والله ـ لم يكن فيه شيء من ذلك صلىاللهعليهوسلم (٢).
وقال قتادة : كلما غوى غاو غوينا معه (٣).
وقيل : معناه : وكنا أتباعا ولم نكن متبوعين ، وقولهم : (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي: نكذّب بيوم القيامة ، يوم الجزاء والحكم.
(حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) أي : جائنا الموت ، قال الله تعالى : (حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر : ٩٩].
وهذه الآية تدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
فإن قيل : لم أخر التكذيب وهو أفحش تلك الخصال الأربع؟.
فالجواب : أريد أنهم بعد اتصافهم بتلك الأمور الثلاثة كانوا مكذّبين بيوم الدين ، والغرض تعظيم هذا الذنب كقوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٧].
قوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) ؛ كقوله : [الطويل]
٤٩٧٣ ـ على لاحب لا يهتدى بمناره |
|
........... (٤) |
في أحد وجهيه ، أي : لا شفاعة لهم فلا انتفاع بها ، وليس المراد أن ثمّ شفاعة غير نافعة كقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] الآية.
وهذه الآية تدلّ على صحة الشفاعة للمذنبين من هذه الأمة بمفهومها ؛ لأن تخصيص هؤلاء بأنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين يدلّ على أن غيرهم تنفعهم شفاعة الشافعين.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : يشفع نبيكم صلىاللهعليهوسلم رابع أربعة : جبريل ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، أو عيسى ، ثم نبيكم صلىاللهعليهوسلم ثم الملائكة ، ثم النبيون ، ثم الصديقون ، ثم الشهداء ، ويبقى قوم في جهنم ، فيقال لهم : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ)؟ قالوا : لم نك من المصلين ، إلى قوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ).
قال عبد الله بن مسعود : فهؤلاء الذين في جهنم (٥).
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ١٨٦.
(٢) ينظر تفسير القرطبي ١٩ / ٥٧.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣١٩).
(٤) تقدم.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣١٩) عن ابن مسعود.