أحدها : أنّ تجويز هذا يفضي إلى الطعن في القرآن ، لأن على هذا التقدير يجوز جعل النفي إثباتا ، والإثبات نفيا ، وذلك ينفي الاعتماد على الكلام نفيا وإثباتا.
وثانيها : أن الحرف إنما يزاد في وسط الكلام ، فإن امرأ القيس زادها في مستهل قصيدته ؛ وهي قوله : [المتقارب]
٤٩٧٩ ـ فلا ـ وأبيك ـ ابنة العامري |
|
ي لا يدّعي القوم أنّي أفر (١) |
وأيضا : هب أنّ هذا الحرف في أول الكلام إلا أنّ القرآن كله كالسّورة الواحدة لاتصال بعضه ببعض بدليل أنه قد يذكر الشيء في سورة ثم يجيء جوابه في سورة أخرى كقوله تعالى (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] ثم جاء جوابه في سورة أخرى وهو قوله (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [القلم : ٢] ، وإذا كان كذلك ، كان أوّل هذه السورة جاريا مجرى وسط الكلام.
والجواب عن الأول : أنّ قوله : لا وأبيك ، قسم عن النفي ، وقوله : (لا أُقْسِمُ) نفي للقسم ، لأنه على وزان قولنا : «لا أقبل ، لا أضرب ، لا أنصر» وذلك يفيد النفي ، بدليل أنه لو حلف لا يقسم كان البرّ بترك القسم ، والحنث بفعل القسم ، فظهر أن البيت المذكور ليس من هذا الباب.
وعن الثاني : أن القرآن الكريم كالسّورة الواحدة في عدم التناقض ، فإما أن يقرن في كل آية ما أقرن في الأخرى ، فذلك غير جائز ؛ لأنه يلزم جوازه أن يقرن بكل إثبات حرف النفي الوارد في سائر الآيات ، وذلك يقتضي انقلاب كل إثبات نفيا وانقلاب كل نفي إثباتا ، وأنه لا يجوز.
وثالثها : أن المراد من قولنا : «لا» صلة أنّه لغو باطل يجب طرحه وإسقاطه حتى ينتظم الكلام ووصف كلام الله (٢) ـ تعالى ـ بذلك لا يجوز.
الوجه الثالث : قال الزمخشري : «إدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم ؛ قال امرؤ القيس : [المتقارب]
٤٩٨٠ ـ فلا ـ وأبيك ـ ابنة العامري (٣)
البيت المتقدّم.
وقال غوية بن سلمى : [الوافر]
٤٩٨١ ـ ألا نادت أمامة باحتمال |
|
لتحزنني فلا بك ما أبالي (٤) |
__________________
(١) تقدم.
(٢) في أ : الباري.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر جواهر الأدب ص ٢٥٣ ، والخصائص ٢ / ١٩ ، ورصف المباني ص ١٤٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٠٤ ، ١٤٤ ، وشرح المفصل ٨ / ٣٤ ، ٩ / ١٠١ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٠٧ ، واللسان (أهل) ، واللمع ص ٥٨ ، ٢٥٦.