(بَلْ تُحِبُّونَ). قرأ (١) ابن كثير وأبو عمرو : «يحبّون ، ويذرون» بياء الغيبة حملا على لفظة الإنسان المذكور أولا لأن المراد به الجنس ، وهو اختيار أبي حاتم ؛ لأن «الإنسان» بمعنى الناس والباقون : بالخطاب فيهما ، إما خطابا لكفار قريش أي : بل تحبون يا كفار قريش العاجلة ، أي : الدار الدنيا والحياة فيها (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) أي تدعون الآخرة والعمل لها ، وإما التفاتا عن الإخبار عن الجنس المتقدم ، والإقبال عليه بالخطاب.
واختار الخطاب أبو عبيد ، قال : ولو لا الكراهة لخلاف هؤلاء القراء لقرأتها بالياء ، لذكر الإنسان قبل ذلك.
قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) فيه أوجه :
أحدها : أن يكون «وجوه» مبتدأ ، و «ناضرة» نعت له ، و «يومئذ» منصوب ب «ناضرة» و «ناظرة» خبره ، و (إِلى رَبِّها) متعلق بالخبر. والمعنى : أن الوجوه الحسنة يوم القيامة ناظرة إلى الله تعالى ، وهذا معنى صحيح ، والنّاضرة : من النّضرة وهي التنعم ، ومنه غصن ناضر.
الثاني : أن تكون «وجوه» مبتدأ أيضا ، و «ناضرة» خبره ، و «يومئذ» منصوب الخبر ـ كما تقدم ـ وسوّغ الابتداء هنا بالنكرة كون الموضع موضع تفصيل ، كقوله : [المتقارب]
٤٩٩٦ ـ ............ |
|
فثوب لبست وثوب أجر (٢) |
وتكون «ناضرة» نعتا ل «وجوه» أو خبرا ثانيا أو خبرا لمبتدأ محذوف ، و (إِلى رَبِّها) متعلق ب «ناظرة» كما تقدم.
وقال ابن عطية : وابتدأ بالنكرة ؛ لأنها تخصصت بقوله : «يومئذ».
وقال أبو البقاء : وجاز الابتداء هنا بالنّكرة لحصول الفائدة.
وفي كلا قوليهما نظر أما قول ابن عطية : فلأن قوله «تخصصت» بقوله : «يومئذ» هو التخصيص إما لكونها عاملة فيه ، وهو محال ؛ لأنها جامدة ، وإما لأنها موصوفة به ، وهو محال أيضا ؛ لأن الجثة لا توصف بالزمان كما لا يخبر به عنها.
وأما قول أبي البقاء : فإن أراد بحصول الفائدة ما تقدم من التفصيل فصحيح ، وإن عنى ما عناه ابن عطية فليس بصحيح لما تقدم.
الثالث : أن يكون «وجوه» مبتدأ ، و «يومئذ» خبره. قاله أبو البقاء.
وهذا غلط من حيث المعنى ومن حيث الصناعة.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٦٦١ ، والحجة ٦ / ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤١٦ ، وحجة القراءات ٧٣٦.
(٢) تقدم.