والمال والولد ، وذلك حين يعاين الملائكة ، وسمي اليقين هنا بالظن ؛ لأن الإنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه فإنه يطمع في الحياة لشدة حبه لهذه الحياة العاجلة ، ولا ينقطع رجاؤه عنها ، فلا يحصل له يقين الموت ، بل الظن الغالب مع رجاء الحياة ، أو لعله سماه بالظن الغالب تهكما.
قال ابن الخطيب (١) : وهذه الآية تدل على أن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت البدن ؛ لأن الله ـ تعالى ـ سمى الموت فراقا ، والفراق إنما يكون إذا كانت الروح باقية ، فإن الفراق والوصال صفة ، والصفة تستدعي وجود الموصوف.
قوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ). الالتفاف هو الاجتماع ، قال تعالى : (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) [الإسراء : ١٠٤] ومعنى الكلام : اتصلت الشدة بالشدة ، شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة. قاله ابن عباس والحسن وغيرهما (٢).
وقال الشعبي وغيره : التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب (٣).
قال قتادة : أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب برجله على الأخرى (٤).
وقال سعيد بن المسيب والحسن أيضا : هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن (٥).
وقال زيد بن أسلم : التفت ساق الكفن بساق الميت (٦).
قال النحاس : القول الأول أحسنها ، لقول ابن عباس : هو آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله (٧) ، والعرب لا تذكر الساق إلا في الشدائد والمحن العظام ، ومنه قولهم : قامت الحرب على ساق.
قال أهل المعاني : إن الإنسان إذا دهمته شدة شمّر لها عن ساقيه ، فقيل للأمر الشديد : ساق ، قال الجعديّ : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٢٠٥.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٤٧) عن ابن عباس والحسن ومجاهد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٧٨) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم ، وعن مجاهد وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وذكره عن الحسن وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٤٨) عن الشعبي.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٤٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٧٨) وعزاه إلى ابن المنذر.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٤٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٧٨) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ٧٣).
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٤٧) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٧٨) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.