في هذه الفاء وجهان (١) :
أحدهما : أنها داخلة لما تضمنه الاسم من معنى الشرط ، وحكم الموصوف بالموصول حكم الموصول في ذلك.
قال الزجاج (٢) : ولا يقال : إنّ زيدا فمنطلق ، وهاهنا قال : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) لما في معنى «الذي» من الشرط والجزاء ، أي : فررتم منه فإنه ملاقيكم ، وتكون مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه.
الثاني : أنها مزيدة محضة لا للتضمين المذكور.
وأفسد هؤلاء القول الأول بوجهين :
أحدهما : أن ذلك إنما يجوز إذا كان المبتدأ أو اسم إن موصولا ، واسم «إن» هنا ليس بموصول ، بل موصوفا بالموصول.
والثاني : أن الفرار من الموت لا ينجي منه فلم يشبه الشرط يعني أنه متحقق فلم يشبه الشرط الذي هو من شأنه الاحتمال.
وأجيب عن الأول : بأن الموصوف مع صفته كالشيء الواحد ؛ ولأن «الذي» لا يكون إلا صفة ، فإذا لم يذكر الموصوف دخلت الفاء ، والموصوف مراد ، فكذلك إذا صرح بها.
وعن الثاني : بأن خلقا كثيرا يظنون أن الفرار من أسباب الموت ينجيهم إلى وقت آخر.
وجوز مكي (٣) : أن يكون الخبر قوله : (الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) وتكون الفاء جواب الجملة قال : كما تقول : «زيد منطلق فقم إليه».
وفيه نظر ؛ لأنه لا ترتب بين قوله : (إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) وبين قوله : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) فليس نظيرا لما مثله (٤).
قال القرطبي (٥) : ويجوز أن يتم الكلام عند قوله : (الَّذِي تَفِرُّونَ) ثم يبدأ بقوله : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ).
وقرأ زيد بن (٦) علي : «إنّه» بغير فاء.
وفيها أوجه (٧) :
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٧.
(٢) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٥ / ١٧١.
(٣) ينظر المشكل ٢ / ٧٣٤.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٧.
(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٦٣.
(٦) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٣١ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٦٤ ، والدر المصون ٦ / ٣١٧.
(٧) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٧.