وقال عبد الملك : إذا كانت عادته تلك قتل لأنه جاسوس ، وقد قال مالك : يقتل الجاسوس لإضراره بالمسلمين ، وسعيه بالفساد في الأرض ، ولعل ابن الماجشون إنما أخذ التكرار في هذا ؛ لأن حاطبا أخذ في أول فعله ، فإن كان الجاسوس كافرا ، فقال الأوزاعي : يكون نقضا لعهده ، وقال : الجاسوس الحربي يقتل ، والجاسوس المسلم والذمي يعاقبان إلا أن يظاهرا على الإسلام فيقتلان.
وقد روي عن عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتي بعين للمشركين اسمه : فرات بن حيّان ، فأمر به أن يقتل ، فصاح : يا معشر الأنصار ، أقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله؟ فأمر به النبي صلىاللهعليهوسلم فخلي سبيله ، ثم قال : «إنّ منكم من أكله إلى إيمانه ، منهم فرات بن حيّان» (١).
قوله : (وَقَدْ كَفَرُوا). فيه أوجه (٢) :
أحدها : الاستئناف.
الثاني : حال من فاعل «تتخذوا».
الثالث : حال من فاعل «تلقون» ، أي : لا تتولّوهم أو لا توادوهم وهذه حالهم.
وقرأ العامة : «بما» ـ بالباء ـ ، والجحدري وعاصم (٣) في رواية : «لما» ـ باللام ـ أي : لأجل ما جاءكم من الحق ، فعلى هذا الشيء المكفور به غير مذكور ، وتقديره : كفروا بالله ورسوله.
قوله : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ).
يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون تفسيرا لكفرهم ، فلا محلّ لها على هذين ، وأن يكون حالا من فاعل «كفروا».
قوله : «وإيّاكم». عطف على «الرّسول» وقدّم عليهم تشريفا له.
وقد استدل به من يجوز انفصال الضمير مع القدرة على اتصاله ، إذ كان يجوز أن يقال : يخرجونكم والرسول ، فيجوز : يخرجون إياكم والرسول في غير القرآن.
وهو ضعيف ، لأن حالة تقديم الرسول دلالة على شرفه ، لا نسلم أنه يقدر على اتصاله(٤).
وقد تقدم الكلام على هذه الآية عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ) في سورة النساء [١١١].
__________________
(١) أخرجه البيهقي في «سننه» (٩ / ١٤٧).
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٠٢.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٩٤ ، والكشاف ٤ / ٥١٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٥١ ، والدر المصون ٦ / ٣٠٢.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٠٢.