يخلو عن شراء فاكتفى بذكر أحدهما ، كقوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [النحل : ٨١] وخص البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق ، ومن لا يجب عليه حضور الجمعة ، فلا ينهى عن البيع والشراء.
وفي وقت التحريم قولان (١) :
أحدهما : أنه من بعد الزّوال إلى الفراغ منها. قاله الضحاك ، والحسن ، وعطاء.
الثاني : أنه من وقت أذان الخطبة إلى وقت الصّلاة. قاله الشافعي.
قال القرطبي : «ومذهب مالك أن البيع يفسخ إذا نودي للصلاة ، ولا يفسخ العتق والنكاح والطلاق وغيره ، إذ ليس من عادة الناس اشتغالهم به كاشتغالهم بالبيع ، قال : وكذلك الشركة والهبة والصدقة نادر لا يفسخ» (٢).
قال ابن العربي (٣) : «والصحيح فسخ الجميع ؛ لأن البيع إنما منع منه للاشتغال به فكل أمر يشغل عن الجمعة من العقود كلها فهو حرام شرعا مفسوخ».
وحمل بعضهم النهي على الندب لقوله تعالى : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) ، وهو مذهب الشافعي ؛ فإن البيع عنده ينعقد ولا يفسخ.
وقال الزمخشري (٤) : إن عامة العلماء على أن ذلك النهي لا يؤدي إلى فساد البيع ، قالوا : لأن البيع لم يحرم لعينه ، ولكن لما فيه عن الذّهول عن الواجب ، فهو كالصلاة في الدار والثوب المغصوب ، والوضوء بماء مغصوب.
قال القرطبي (٥) : «والصّحيح فساده وفسخه لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «كلّ عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ» (٦) أي : مردود.
ثم قال : «ذلكم» أي : ذلك الذي ذكرت من حضور الجمعة وترك البيع (خَيْرٌ لَكُمْ) من المبايعة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) مصالح أنفسكم.
قوله : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ).
هذا أمر إباحة كقوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢] ، والمعنى : إذا فرغتم من الصلاة (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) للتجارة والتصرف في حوائجكم (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي : من رزقه (٧).
وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال :
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٨ / ٧٠.
(٢) القرطبي ١٨ / ٧٠.
(٣) ينظر : أحكام القرآن ٤ / ١٨٠٦.
(٤) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٣٦.
(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٧١.
(٦) تقدم.
(٧) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٧١.