فقالوا بأجمعهم : نحن كلنا يابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ، ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك الله ، فإنا حرب لحربك ، وسلم لسلمك ، نبرأ ممن ظلمك وظلمنا.
فقال عليهالسلام : هيهات هيهات ، أيها الغدرة المكرة ، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى أبي من قبل!. كلا وربّ الراقصات [إلى منى] ، فإن الجرح لما يندمل. قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ، ولم ينس ثكل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وثكل أبي وبني أبي. إنّ وجده والله لبين لهاتي (١) ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصّته تجري في فراش (٢) صدري ، ومسألتي أن تكونوا لا لنا ولا علينا.
ثم قال عليهالسلام : رضينا منكم رأسا برأس ، فلا يوم لنا ولا يوم علينا!.
٣١٣ ـ وصف بشير بن حذيم للناس وهم حيارى : (البحار ، ج ٤٥ ص ١٠٩)
بعد أن خطب زين العابدين عليهالسلام في أهل الكوفة وقرّعهم ، قال ابن حذيم : فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، قد وضعوا أيديهم في أفواههم. فالتفتّ إلى شيخ إلى جانبي يبكي ، وقد اخضلّت لحيته بالبكاء ، ويده مرفوعة إلى السماء ، وهو يقول : بأبي أنتم وأمي ، كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم نسل كريم ، وفضلكم فضل عظيم.
تعليق هام :
يقول المازندراني في (معالي السبطين) ج ٢ ص ٦٢ :
ولعل هذه الخطب التي خطب بها أهل البيت عليهمالسلام في الكوفة ، ليست في ورودهم بالكوفة في المرة الأولى التي كانوا فيها أسراء في أيدي القوم ، كما زعمه بعض أرباب المقاتل ، بل كان عند رجوعهم من كربلاء بعد الأربعين ، حين جاؤوا من الشام إلى كربلاء ليجددوا العهد بزيارة قبر الحسين عليهالسلام ، ثم رجعوا إلى الكوفة وهم يريدون المدينة.
__________________
(١) اللهاة : اللحمة الموجودة في أقصى الفم.
(٢) الفراش (كسحاب) : كل عظم رقيق.