في الّذي دعاني إليه من بيعته ، فإن يكن ذلك كما بلغك ، فلست حمدك أردت ولا ودّك ، ولكن الله بالذي أنوي به عليم.
وزعمت أنك لست بناس (برّي وتعجيل صلتي ، فاحبس أيها الإنسان برّك وتعجيل صلتك ، فإني حابس عنك) ودّي ، فلعمري (إنك) ما تؤتينا مما في يديك من حقنا إلا القليل ، وإنك لتحبس عنا منه العريض الطويل.
ـ أنسيت قتل الحسين عليهالسلام؟! :
وسألتني أن أحثّ الناس عليك (على طاعتك) ، وأخذّلهم عن ابن الزبير ، فلا (مرحبا ولا كرامة) ، ولا سرورا ولا حبورا ، وأنت قتلت الحسين بن علي عليهالسلام. بفيك الكثكث (١) ، ولك الأثلب (٢). إنك إن تمكّنك نفسك ذلك ، لعازب الرأس ، وإنك لأنت المفند (٣) المهوّر.
ولا تحسبني ـ لا أبا لك ـ نسيت قتلك حسينا وفتيان بني عبد المطلب ، مصابيح الدجى (الهدى) ، ونجوم الأعلام. غادرهم جنودك (بأمرك) مصرّعين في صعيد (واحد) ، مرمّلين بالتراب (مضرّجين بالدماء) ، مسلوبين بالعراء (مقتولين بالظماء) ، لا مكفّنين (ولا موسّدين) ، تسفي عليهم الرياح ، وتعاورهم الذئاب ، وتنشي بهم عرج الضباع (البطاح). حتى أتاح الله لهم أقواما لم يشتركوا في دمائهم ، فأجنّوهم (واروهم) في أكفانهم. وبي والله وبهم عززت ، وجلست مجلسك الّذي جلست ، يا يزيد.
وما أنس من الأشياء فلست بناس اطرادك الحسين بن علي (طردك حسينا) من حرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى حرم الله ، ودسّك إليه الرجال تغتاله. فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة ، فخرج منها خائفا يترقّب ، وقد كان أعزّ أهل البطحاء بالبطحاء قديما ، وأعزّ أهلها بها حديثا ، وأطوع أهل الحرمين لو تبوّأ بها مقاما ، واستحلّ بها قتالا ، ولكن كره أن يكون هو الّذي يستحلّ حرمة البيت وحرمة رسول الله ، فأكبر من ذلك ما لم تكبر ، حيث دسست إليه الرجال فيها ، ليقاتل في الحرم ...
__________________
(١) الكثكث : فتات الحجارة والتراب ، بكسر الكاف أو فتحها.
(٢) الأثلب : التراب أيضا.
(٣) الفند : ضعف الرأي.