عسقلان أن تمتدّ إليها أيدي الطمع من الإفرنج ، وكان بها أمير يقال له عيّاش ، فأرسل إلى الخليفة الفائز بأمر الله بمصر ، يقول له : أما بعد ، فإن الإفرنج قد أشرفوا على أخذ عسقلان ، وإن بها رأس الإمام الحسين بن علي عليهالسلام ، فأرسلوا من تختارونه وإلا أخذوه. وكان الخليفة الفاطمي الفائز إذ ذاك طفلا صغيرا لم يبلغ الحادية عشرة من عمره ، ولذلك كان الحل والعقد والأمر والنهي لأكبر وزرائه ، المسمى طلائع بن رزيك ، فأرسل فرقة من الجيش تحت أمر مكنون الخادم ، وزوّده بثلاثين ألف دينار ، فأتوا بالرأس. ووصلوا إلى قطية ، فخرج الوزير إلى لقائه من عدة مراحل ومعه جيوش كثيرة ، وكلهم حفاة خاشعون. فحمل الوزير الرأس على صدره ، حتى دخلوا مصر. وبنى طلائع مسجدا للرأس خارج باب زويلة من جهة الدرب الأحمر ، وهو المعروف بجامع الصالح الآن. فكشف الحجب عن تلك الذخيرة النبوية ، فوجد دمها لم يجف ، ووجد لها رائحة أطيب من المسك ـ كما قال المقريزي ـ فغسّل الرأس في المسجد المذكور على ألواح من الخشب ، ثم أراد أن يشرّف ذلك المسجد بدفنه فيه ، فأبى أهل القصر ، وهم معيّة الملك الفائز ، وقالوا : إن أثرا نبويا جليلا كهذا لا يليق أن يكون مستقره خارج حدود القاهرة ، بل لا بدّ من دفنه في قصر الملك [أي المعزّ] ، وكانت بوابة الباب الأخضر الموجودة الآن تحت المنارة الصغرى للمسجد الحسيني ، بابا من أبواب القصر المنتهي إلى الجمالية ، واسمه باب الديلم ودهليز الخدمة ، فعمدوا إلى الجهة المذكورة وبنوا بها بناء فخيما ، حلّوه بأنواع الزخارف الجميلة ، وكسوا جدرانه بالرخام الملون ، في البقعة المباركة الحالية.
وكان طلائع بن رزيك محبا لأهل البيت عليهالسلام ويدعى الملك الصالح.
٦٥٢ ـ الجزم بأن الرأس الّذي كان في عسقلان ليس رأس الحسين عليهالسلام :
(رأس الحسين لابن تيمية ، ص ١٥)
يقول ابن تيمية : بل نحن نعلم ونجزم بأنه ليس رأس الحسين عليهالسلام ولا كان ذلك المشهد العسقلاني مشهدا للحسين عليهالسلام ، من وجوه متعددة :
١ ـ أنه لو كان رأس الحسين عليهالسلام هناك لم يتأخر كشفه وإظهاره إلى ما بعد مقتل الحسين عليهالسلام بأكثر من أربعمائة سنة.
٢ ـ إن الذين جمعوا أخبار الحسين عليهالسلام ومقتله ، مثل أبي بكر بن أبي الدنيا ،