ثم قالت : أيها الناعي ، جدّدت حزننا بأبي عبد الله عليهالسلام ، وخدشت منا قروحا لمّا تندمل. فمن أنت رحمك الله؟.
فقلت : أنا بشير بن جذلم ، وجّهني مولاي علي بن الحسين عليهالسلام ، وهو نازل في موضع كذا وكذا ، مع عيال أبي عبد الله الحسين عليهالسلام ونسائه.
قال بشير : فتركوني مكاني وبادروني ، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع. فنزلت عن فرسي ، وتخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط [أي خيمة زين العابدين عليهالسلام].
خطبة زين العابدين عليهالسلام في أهل المدينة
وكان علي بن الحسين عليهالسلام داخلا (الفسطاط) فخرج ، ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسي ، فوضعه له وجلس عليه ، وهو لا يتمالك عن العبرة. وارتفعت أصوات الناس بالبكاء ، وحنين النسوان والجواري ، والناس يعزّونه من كل ناحية. فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة.
٦٨٢ ـ خطبة الإمام زين العابدين عليهالسلام في أهل المدينة :
(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٨٦)
فأومأ [الإمام زين العابدين عليهالسلام] إلى الناس أن اسكتوا ، فلما سكنت فورتهم قالعليهالسلام :
الحمد لله ربّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدّين ، بارئ الخلائق أجمعين ، الّذي بعد فارتفع في السموات العلى ، وقرب فشهد النجوى. نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع (١) ، وجليل الرّزء ، وعظيم المصائب ، الفاظعة الكاظّة ، الفادحة الجائحة (٢).
أيها القوم ، إن الله تعالى ـ وله الحمد ـ ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبد الله الحسين عليهالسلام وعترته ، وسبيت نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عامل السنان (٣). وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة.
__________________
(١) اللواذع : المصائب المحرقة الموجعة.
(٢) الجائحة : الشدة التي تستأصل المال وغيره.
(٣) السّنان : هو رأس الرمح ، وعامل السنان : ما يلي السنان.