تعليق المؤلف :
لقد حاول يزيد التنصل من فعله في قتل الحسين عليهالسلام وهو الّذي أمر به ، فأوهم الناس أنه يحب الحسين عليهالسلام وأنه لا يريد قتله ، وألقى باللائمة الكاملة على عبيد الله بن زياد ، ليتخلص من سخط الجماهير التي بدأت تلعنه وتنتقده حتى في مجلسه. فلا تغرنا بعض تصرفاته إن صحّت نسبتها إليه ؛ من أنه بكى حين رأى رأس الحسين عليهالسلام ، وذلك لأنه ذكر قرابته منه ورحمه ، وأنه لعن ابن مرجانة.
ولكن أنى للعاقل اللبيب أن ينخدع أو ينغشّ بهذه المظاهر الكاذبة ، وهو يعلم أن يزيد هو الّذي بعث منذ البداية إلى والي المدينة ومكة أن يقتل الحسين عليهالسلام ولو كان متمسكا بأستار الكعبة ، إذا هو لم يبايع من ساعته. وكم تأسّف مروان بن الحكم أن يفلت الحسين من والي المدينة دون أن يبايع أو يقتل.
ثم إن يزيد يعزل والي الكوفة النعمان بن بشير ، ويعيّن مكانه عبيد الله ابن زياد الّذي كان يعتبره معاوية أخاه ويقرّبه إليه ، وهو فاسق ابن فاسق ، ويأمره بقتل الحسينعليهالسلام وأشياعه ، إلا أن ينزلوا على حكمه.
وحين قتل عبيد الله بن زياد كلا من مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، وبعث برأسيهما إلى يزيد ، بعث يزيد يشكره على عمله ، ويشجّعه على تنكيله.
ولو كان يزيد صادقا في قوله عن ابن زياد ، فكان عليه أن يعاقبه على قتله الحسين وأهل البيت عليهالسلام ، أو على الأقل أن يعزله من الولاية. في حين نراه بعد مقتل الحسين عليهالسلام قد استدعاه إليه ، وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة ، وقرّبه من مجلسه ورفع منزلته ، وأدخله على نسائه وجعله نديمه.
وسكر ليلة معه وقال للمغني : غنّ ، ثم قال يزيد بداهة :
اسقني شربة تروّي فؤادي |
|
ثم مل فاسق مثلها ابن زياد |
صاحب السرّ والأمانة عندي |
|
ولتسديد مغنمي وجهادي |
قاتل الخارجي ، أعني حسينا |
|
ومبيد الأعداء والحسّاد |
فتنبّه يا أخي إلى حقيقة يزيد ، الّذي أجمع الرواة والعلماء على فسقه وكفره ، لا بل على خسّته ودناءته. فحقيقة المرء تعرف من خلال أفعاله ، لا من خلال أقواله. (راجع تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٣٠٠)