وإذا تذكرنا الدوافع السياسية ، عرفنا لماذا حاول الفاطميون مثلا إيهام الناس بأن رأس الحسين عليهالسلام كان مدفونا في عسقلان ، ثم نقلوه إلى القاهرة. وعرفنا لماذا ناضل ابن تيمية لتكذيب دعواهم ، لأنه كان من أكبر أعدائهم.
ففي اعتقادي أن الّذي في (عسقلان) هو مشهد للرأس وليس مدفن له. فنكون بذلك قد نفينا دعوى وجود الرأس في عسقلان أو القاهرة. كما ألمح إليه العلامة الأمين عليه الرحمة.
٢ ـ يمكن القول إن رأس الحسين عليهالسلام لم يردّ إلى كربلاء دفعة واحدة ، بل إنه تنقّل في عدة مدافن ، كان آخرها مدفنه الشريف مع الجسد المقدس في كربلاء. فيمكن أنه دفن في المدينة المنورة ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أنه دفن بالكوفة عند قبر أمير المؤمنين عليهالسلام أو في ظاهرها ، ثم نقل إلى كربلاء. ويمكن أن سليمان بن عبد الملك دفنه في دمشق عند باب الفراديس الثاني ، ثم نقله عمر ابن عبد العزيز إلى مقابر المسلمين ، ثم نقله هو أو غيره إلى كربلاء.
والذي يغلب في ظني ـ إذا استبعدنا كون الإمام زين العابدين عليهالسلام أخذ معه الرأس من يزيد فدفنه في كربلاء ـ أن ردّ الرأس إلى الجسد المقدس في كربلاء تمّ بعد موت يزيد ، لأن يزيد كان مهتما جدا بالاحتفاظ بالرأس ، حتى أنه لم يرض أن يريه لزين العابدين عليهالسلام فكيف به يعطيه إياه. ولعل الدافع إلى ذلك كان حقده الشديد على الحسين عليهالسلام ، ثم تخوّفه من إثارة الفتنة بين العراقيين إذا رأوا رأس الحسين عليهالسلام ، وما ينتج عن ذلك من زيادة النقمة عليه.
٣ ـ إن لله إرادة علوية وحكمة إلهية في وجود عدة مشاهد للحسين عليهالسلام ، ومن دفن رأسه في عدة مواضع ، وذلك ليشيع ذكره في الآفاق ، ويزوره كل المسلمين في كافة الأقطار.
أما إذا ثبتت رواية ردّ الإمام زين العابدين عليهالسلام للرأس الشريف مباشرة إلى كربلاء ، فإن كل الروايات الأخرى تكون وهما. وإن كان الأغلب أن ذلك الردّ ـ إن حصل ـ لم يكن في نفس سنة المقتل ٦١ ه ، بل في الأربعين من السنة التالية أو ما بعدها.
٦٥٤ ـ دفن الرؤوس الشريفة : (مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٤٦٩)
جاء النصّ على مجيء الإمام زين العابدين عليهالسلام بالرؤوس معه إلى كربلاء في (حبيب السير) ؛ كما في (نفس المهموم) ص ٢٥٣ ؛ وفي (رياض الأحزان) ص ١٥٥.