فأخذه الراهب ، وجعل يقبّله ويبكي ويقول : يعزّ والله عليّ يا أبا عبد الله أن لا أواسيك بنفسي ، وأن لا أكون أول شهيد أستشهد بين يديك. ولكن يا أبا عبد الله إذا لقيت جدك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأقرئه مني السلام ، وأخبره أني على قول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، وأشهد أن عليا ولي الله.
ودفع الرأس إليهم. فجعلوا يقتسمون الدراهم ، وإذا هي بأيديهم خزف مكتوب عليها : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧].
فقال خولي لأصحابه : اكتموا هذا الخبر ، يا ويلكم عن الخزي بين الناس.
٤٧٨ ـ (رواية مشابهة) خبر الرأس وصاحب الدير :
(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٧٤)
فنزلوا بعض المنازل ، وفي ذلك المنزل دير فيه راهب. فأخرجوا الرأس على عادتهم ، ووضعوه على الرمح ، وحرسه الحرس على عادتهم ، وأسندوا الرمح إلى الدير. فلما كان في نصف الليل رأى الراهب نورا من مكان الرأس إلى عنان السماء.
فأشرف على القوم وقال : من أنتم؟. قالوا : نحن أصحاب ابن زياد. قال : وهذا رأس من؟. قالوا : رأس الحسين بن علي بن أبي طالب ، ابن فاطمة بنت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم. قال : نبيّكم؟!. قالوا : نعم. قال : بئس القوم أنتم ، لو كان للمسيح عليهالسلام ولد لأسكنّاه أحداقنا!.
ثم قال : هل لكم في شيء؟. قالوا : وما هو؟. قال : عندي عشرة آلاف دينار ، تأخذونها وتعطوني الرأس ، يكون عندي تمام الليلة ، وإذا رحلتم تأخذوه؟. قالوا : وما يضرّنا!. فناولوه الرأس وناولهم الدنانير. فأخذه الراهب فغسّله وطيّبه ، وتركه على فخذه ، وقعد يبكي الليل كله.
فلما أسفر الصبح قال : يا رأس لا أملك إلا نفسي ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن جدك محمدا رسول الله ، وأشهد الله أنني مولاك وعبدك.
ثم خرج عن الدير وما فيه ، وصار يخدم أهل البيت عليهمالسلام.
قال ابن هشام في (السيرة) : ثم إنهم أخذوا الرأس وساروا. فلما قربوا من دمشق ، قال بعضهم لبعض : تعالوا حتى نقسم الدنانير ، لا يراها يزيد فيأخذها منا.