في (اللهوف) لابن طاووس : قال بشير بن خزيم الأسدي : ونظرت إلى زينب بنت علي عليهالسلام يومئذ ، ولم أر والله خفرة (١) قطّ أنطق منها ، كأنما تفرغ على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام. وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدّت الأنفاس وسكنت الأجراس (٢).
خطبة زينب العقيلة عليهالسلام في أهل الكوفة (٣)
ثم قالت عليهالسلام : الحمد لله ، والصلاة على أبي محمّد (رسول الله) وآله الطيبين الأخيار (آل الله).
أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل (٤) والغدر ، أتبكون فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّة. إنما مثلكم كمثل (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) (٩٢) [النحل : ٩٢] (٥). ألا وهل فيكم إلا الصّلف والنّطف (٦) ، والعجب والكذب والشّنف (٧) ، وملق الإماء (٨) ، وغمز الأعداء (٩) ، أو كمرعى على دمنة (١٠) ، أو كقصّة على ملحودة (١١). ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون.
__________________
(١) الخفر : شدة الحياء.
(٢) الأجراس : جمع جرس ، وهو الصوت.
(٣) يقول السيد المقرم في مقتله ص ٤٠٢ : رتّبنا هذه الخطبة من (أمالي الشيخ الطوسي) وأمالي ابنه ، واللهوف لابن طاووس ومثير الأحزان لابن نما ، والمناقب لابن شهر اشوب والاحتجاج للطبرسي.
(٤) الختل : الخدعة.
(٥) سورة النحل ٩٢. تتخذون أيمانكم دخلا بينكم : أي دغلا وخيانة ومكرا.
(٦) الصّلف : مجاوزة الحد وادّعاء الإنسان فوق ما فيه تكبّرا ، والنّطف : القذف بالفجور.
(٧) الشّنف : البغض بغير حق.
(٨) الملق : أن تعطي باللسان ما ليس في القلب.
(٩) الغمز : الطعن.
(١٠) الدّمنة : المزبلة التي ينبت عليها المرعى. شبّهتهم عليهالسلام بذلك المرعى لدناءة أصلهم ، وعدم الانتفاع بهم ، مع حسن ظاهرهم وخبث باطنهم.
(١١) الملحودة : القبر ، والقصّة : الجص الّذي يوضع على القبر. شبّهتهم بالجصّة التي تزيّن بها القبور ، في أنهم كالأموات زيّنوا أنفسهم بلباس الأحياء ، ولا ينتفع بهم الأحياء ، ولا يرجى منهم الكرم والوفاء. وروي (بفضة) والأول أصح.