أتبكون وتنتحبون!. أي والله فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها (١) ، ولن ترحضوها (٢) بغسل بعدها أبدا. وأنى ترحضون ، قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة ، ومدرّة (٣) حجّتكم ومنار محجّتكم ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، وسيد شباب أهل الجنة. ألا ساء ما تزرون.
فتعسا ونكسا وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي (٤) ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ورسوله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة. ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم (٥) ، وأيّ كريمة له أبرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم؟. (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا ٨٩ تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) (٩٠) [مريم : ٨٩ ـ ٩٠] ولقد أتيتم بها (صلعاء عنقاء (٦) سوداء فقماء) (٧) خرقاء شوهاء (٨) ، كطلاع الأرض (٩) أو ملء السماء. أفعجبتم أن مطرت السماء دما! ولعذاب الآخرة أخزى ، وهم لا ينصرون. فلا يستخفّنكم المهل ، فإنه (عزوجل) لا يحفزه (١٠) البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، وإن ربكم لبالمرصاد.
فقال لها الإمام السجّاد عليهالسلام : اسكتي يا عمّة (ففي الباقي عن الماضي اعتبار) وأنت بحمد الله عالمة غير معلّمة ، فهمة غير مفهّمة (إن البكاء والحنين لا يردّان من قد أباده الدهر). فقطعت «العقيلة» الكلام ، وأدهشت ذلك الجمع المغمور بالتمويهات والمطامع. وأحدث كلامها إيقاظا في الأفئدة ولفتة في البصائر ، وأخذت خطبتها من القلوب مأخذا عظيما ، وعرفوا عظيم الجناية ، فلا يدرون ما يصنعون!
__________________
(١) الشّنار : العيب. والضمير في (عارها وشنارها) راجع إلى الأمة أو الأزمنة.
(٢) ترحضوها : تغسلوها.
(٣) المدرّة (بالكسر) : زعيم القوم والمتكلم عنهم ، والذي يرجون رأيه.
(٤) تبّت الأيدي : أي خسرت أو هلكت ، والأيدي : إما مجاز للأنفس أو بمعناها.
(٥) الفري : القطع.
(٦) الصلعاء : الداهية الشديدة ، أو السّوءة الشنيعة البارزة المكشوفة. والعنقاء : الداهية
(٧) سوداء : قبيحة. وفقماء : عظيمة.
(٨) خرقاء : ليس فيها رفق. وشوهاء : قبيحة. والضمير في (جئتم بها) راجع إلى الفعلة القبيحة التي أتوا بها.
(٩) كطلاع الأرض : أي كملء الأرض.
(١٠) لا يحفزه : لا يحثّه ولا يعجله.