ارتحلوا إلى طريق الحي ، فأدركهم المساء عند (صومعة راهب) فنزلوا ، وأسندوا الرأس إليها ، فأنشأ زين العابدين عليهالسلام يقول :
هو الزمان فما تفنى عجائبه |
|
عن الكرام ولا تفنى مصائبه |
فليت شعري إلى كم ذا تجاذبنا |
|
صروفه وإلى كم ذا نجاذبه |
يسيّرونا على الأقتاب عارية |
|
وسائق العيس يحمى عنه غاربه |
كأننا من سبايا الروم بينهم |
|
أو كلّ ما قاله المختار كاذبه |
كفرتم برسول الله ويلكم |
|
يا أمة السوء قد ضاقت مذاهبه |
قال أبو مخنف : فلما جنّ الليل دفعوا الرأس إلى جانب الصومعة. فلما عسعس الليل سمع الراهب دويّا كدويّ النحل ، فعلم أنه تسبيح الملائكة ، واستأنس من أنوار ساطعة. فأخرج الراهب رأسه من الصومعة ، فنظر إلى رأس الحسين عليهالسلام وإذا هو يسطع نورا إلى عنان السماء. ونظر إلى باب قد فتح من السماء والملائكة ينزلون كتائبا كتائبا ، ويقولون : السلام عليك يابن رسول الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله. فجزع الراهب جزعا شديدا.
فلما أصبحوا همّوا بالرحيل ، فأشرف الراهب عليهم ، ونادى : من هو عميدكم والمقدّم عليكم؟. فقالوا : خولي بن يزيد. فقال الراهب : وما الّذي معكم؟. قالوا : رأس خارجي خرج بأرض العراق ، قتله عبيد الله بن زياد. فقال : ما اسمه؟. قالوا : الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة الزهراء ، وجده محمّد المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقال الراهب : تبّا لكم ولما جئتم في طاعته. لقد صدقت الأخبار في قولها ، أنه إذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دما ، ولا يكون هذا إلى بقتل نبي أو وصي نبي.
ثم إنه أدخل رأسه إلى الصومعة وخرّ مغشيا عليه. فلما أفاق قال : صدقت الأخبار ، لأنهم قالوا : يقتل في هذا الوقت نبي أو ابن بنت نبي أو وصي.
ثم قال : أريد أن تدفعوا إليّ هذا الرأس ساعة واحدة وأردّه عليكم. فقال خولي : ما كنت بالذي أكشفه إلا عند يزيد ، وآخذ منه الجائزة. فقال الراهب : وكم جائزتك؟. فقال : بدرة [أي صرّة] فيها عشرة آلاف درهم. فقال الراهب : أنا أعطيك البدرة. فقال: أحضرها. فأحضرها الراهب ودفعها إليهم ، فدفعوا له الرأس وهو على القناة.