عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١٢)) (نوح / ١١ ـ ١٢) ، فاشترط لهم في مدّ الأجل وسبوغ النعم الاستغفار فلمّا لم يفعلوه قطع آجالهم وبتر أعمارهم واستأصلهم بالعذاب ، فالبداء من الله تعالى يختص بما كان مشترطا في التقدير وليس هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة ولا من تعقب الرأي ، تعالى الله عمّا يقول المبطلون علوّا كثيرا وقد قال بعض أصحابنا أن لفظ البداء أطلق في أصل اللغة على تعقب الرأي والانتقال من عزيمة إلى عزيمة ، وإنما أطلق على الله تعالى على وجه الاستعارة كما يطلق عليه الغضب والرضا مجازا ، وإن هذا القول لم يضر بالمذهب إذ المجاز من القول يطلق على الله تعالى فيما ورد به السمع ، وقد ورد السمع بالبداء على ما بيّنا الخ ... (١).
٢ ـ قال الشيخ الصدوق (قدسسره) :
ليس البداء كما يظن جهّال الناس بأنه بداء «ندامة تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا» ، ولكن يجب علينا أن نقرّ لله عزوجل بأن له البداء ، معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء ثم يعدم ذلك الشيء ، ويبدأ بخلق غيره أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه ، وذلك مثل نسخ الشرائع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها ، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلّا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك الخ (٢) ...
٣ ـ قال الشيخ الطوسي :
البداء حقيقة في اللغة هو الظهور ولذلك يقال : بدا لنا سور المدينة وبدا لنا وجه الرأي وقال تعالى : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) (الجاثية / ٣٤) ، (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) (الزمر / ٤٩).
ويراد بذلك كلّه «ظهر» وقد يستعمل ذلك في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلا وكذلك في الظن ، فأما إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز ، فأما ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه ويكون إطلاق ذلك عليه ضربا من التوسع وعلى هذا يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهمالسلام من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء إلى الله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن الخ (٣) ...
__________________
(١) شرح عقائد الصدوق : ص ١٩٩ ـ ٢٠٠ ط تبريز ، وج ٥ / ٦٥ من مجموعة الشيخ المفيد.
(٢) راجع كتاب التوحيد : ص ٣٣٥ للصدوق (قدسسره).
(٣) لاحظ : العدة : ج ٢ ص ٢٩ وهامش البحار : ج ٤ ص ١٢٥.