كلما ورد على هذه الجوارح والحواس ، قلت : أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال : لا ، قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة ، قال : يا بنيّ إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ، ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك ، قال هشام : فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟ قال : نعم قلت : لا بدّ من القلب وإلّا لم تستيقن الجوارح؟ قال : نعم ، قلت له : يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحّح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ، ويقيم لك إماما لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكك ...» (١).
والحديث دالّ على أن علة الاحتياج إلى النبي والإمام هي إزالة الشك فلو جاز الشكّ أو السهو عليهما لاحتاجا إلى الرعية وهو باطل.
... وأخيرا أقول : إنّ مسألة عصمة الأنبياء والأوصياء عن السهو والنسيان باتت من ضرورات الإمامية ، ومما قام عليها الإجماع القطعي ، ومن شذّ عنهم كالصدوق وأستاذه ابن الوليد من المتقدمين ، والطبرسي في المجمع (٢) من المتأخرين فهؤلاء لا يعبأ بما قالوه بشأن النسيان.
وقد جاهر ابن الوليد بعبارة خطيرة بشأن النافين لمسألة السهو عن النبي ، بأن من قال بالنفي يعد من الغلاة ، قال :
«أول درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبي» (٣).
وقد تمسّك ابن الوليد وتلميذه الصدوق عليه الرحمة بأخبار ضعاف توافق أخبار العامة.
وقد حاول بعض (٤) تبرئة ساحتهما بأن الوجه في تشبثهما بأخبار السهو دفعا لحركة الغلو التي كانت سائدة في عصرهما ، إلّا أنها محاولة عقيمة إذ إن الذي يريد دفع الغلوّ لا يدفعه بإثبات محذور عقلي يخل بعصمة النبي ، إضافة لمعارضة
__________________
(١) أصول الكافي : ج ١ ص ١٦٩.
(٢) مجمع البيان : ج ٣ ص ٣١٧ ط. قم.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٣٥ ط. قم.
(٤) سبيل النجاة في علم الكلام : ص ١٦٤.