ثانيا : قيام النصوص واشتراطها لمسألة العدالة المعتبرة في صحة التقليد منها ما ورد في حديث المسيّب المتقدم الذي أحاله الإمام إلى زكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا.
ومنها ما ورد عن مولانا أبي محمّد العسكري عليهالسلام في حديث طويل قال : «... وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبيّة الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها ، فمن قلّد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمّهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم ، فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه ، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم ... فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة» (١).
فالرواية واضحة الدلالة على شيئين :
ـ العدالة النفسانية.
ـ والوثاقة في الدين.
فإذا تحقق هذان الشرطان وجب تقليد المتصف بهما مع إحراز الشروط الأخرى المذكورة في كتب الفقه الاستدلالي ، وإلّا فيحرم حينئذ تقليد فاقدهما.
تنبيه :
لو أنّ أحدا لم يقلّد ولم يحتط ولم يجتهد ، ولكنه عمل من دون استناد إلى أحد العناوين الثلاثة فما حكم صحة عباداته؟
هنا لا بدّ من اشتراط شيئين للحكم بصحة عمله :
الأول : أن يكون عمله موافقا للواقع أو لرأي من يقلّده.
الثاني : أن يكون صادرا عن نية القربة إليه تعالى.
وهذان الشرطان متلازمان ، فإذا انتفى أحدهما يحكم ببطلان عمله.
ومورده التقليد إنما هو في غير الضروريات ، وأما الضروريات الثابتة بنص الكتاب والسنّة كالصلاة والصوم والخمس والحج ، فلا يمكن التقليد أو الاجتهاد في أصل وجوبها بمعنى أنه لا يجوز للمكلّف أن يقلّد من لم يعتقد بوجوب
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١٨ ص ٩٤ ح ٢٠ رقم ٣٣٣٨٥.