أما كان بوسع السلطة وهي تملك ما تملك من وسائل القمع أن تقضي على هذه الجبهة من المعارضة ذات الدعاوي العريضة من أيسر طرقها؟ وذلك بتعريض أئمتها لشيء من الامتحان العسير في بعض ما يملكه العصر من معارف ، وبخاصة ما يتصل منها بغوامض الفقه والتشريع ليسقط دعواها في الأعلمية من الأساس ، أو يعرضهم إلى شيء من الامتحان في الأخلاق والسلوك ليسقط ادعاءهم العصمة.
وإذا كان في الكبار منهم عصمة وعلم ، نتيجة دربة ومعاناة ، فما هو الشأن في ابن عشرين عاما أو ابن ثمان؟ فهل تملك الوسائل الطبيعية تعليلا لتمثلهم لذلك كله؟
ولو كان هؤلاء الأئمة في زوايا أو تكايا ، وكانوا محجوبين عن الرّأي العام ، كما هو الشأن في أئمة الإسماعيلية أو بعض الفرق الباطنية ، لكان لإضفاء الغموض والمناقبية على سلوكهم من الأتباع مجال ، ولكن ما نصنع وهم مصرحون بأفكارهم وسلوكهم وواقعهم تجاه السلطة وغيرها من خصومهم في الكفر؟ والتأريخ حافل بمواقف السلطة منهم ومحاربتها لأفكارهم وتعريضهم لمختلف وسائل الإغراء والاختبار ، ومع ذلك فقد حافل التأريخ بنتائج اختباراتهم المشرّفة وسجلها بإكبار.
ولقد حدث المؤرخون عن كثير من هذه المواقف المحرجة وبخاصة مع الإمام الجواد عليهالسلام ، مستغلين صغر سنه عند تولي الإمامة (١).
وحتى لو افترضنا سكوت التأريخ عن هذه الظاهرة ، فإن من غير الطبيعي ان لا تحدث أكثر من مرة تبعا لتكرر الحاجة إليها ، وبخاصة وان المعارضة كانت على أشدها في العصور العباسية.
وطريقة إعلان فضيحتهم بإخراج أئمتهم فيما يدعونه من علم أو استقامة
__________________
(١) اقرأ موقفه من امتحان الخليفة له على يد يحيى بن أكثم في الصواعق المحرقة ص ٢٠٤.