على مشافهة الجميع ، ولا إشاعة جميع أحكامه على التواتر إلى كل أحد ، إذ لو أنفذ عدد التواتر إلى كل قطر لم يف بذلك أهل مدينته» (١).
وقد أجاب الغزالي على الشقّ الأول بأن «المفتي إذا فقد الأدلة القاطعة ، يرجع إلى البراءة الأصلية والاستصحاب ، كما لو فقد خبر الواحد أيضا» (٢) ، ولكن هذا الجواب غير واضح لأن الرجوع إلى البراءة الأصلية في غير ما يقطع فيه محق للرسالة من أساسها ، لبداهة أن الأحكام القطعية محدودة جدا إن لم تكن معدومة.
والأحكام المعروفة بضروريات الدين كالصوم ، والصلاة ، والحج ، وأمثالها ، وإن ثبتت لها الضرورة القطعية ، إلا أن ثبوتها لها إنما هو ثبوت في الجملة لا في جميع الخصوصيات ، ولو جردت من الخصوصيات الثابتة بالأمارات المعتبرة لتحولت إلى واقع لا تقرّه جميع المذاهب الإسلامية ، فضلا عن إنكار كونه من الضروريات ، على أن الإسلام ليس هو هذه الضروريات فحسب كما هو ثابت بالبداهة.
والرجوع إلى الاستصحاب ، وهو في رتبة سابقة على البراءة كما سبق بيانه ويأتي ، مناقش صغرى وكبرى ، أما الصغرى فلاحتياجه إلى حالة سابقة معلومة وشك طارئ عليها ، وهو نادر ما يقع في الأحكام الكلية الثابتة بالضرورة ، وفي غيرها لا علم بحالة سابقة ، كما هو الفرض ، وأما الكبرى فللشكّ في حجية مثل هذا الاستصحاب لرجوعه إلى ما يدور أمره بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع ، لأن الحكم المجعول إن كان واسع المنطقة إلى هذا الزمان ، فهو مقطوع البقاء ، وإن كان ضيق المنطقة فهو مقطوع الارتفاع ، فما هو الحكم المعلوم اذن ليستصحب
__________________
(١) المستصفى : ١ ـ ٩٤.
(٢) المصدر السابق.