أما الكتاب : فآياته محدودة وهي بأيدينا ، ومع قيامها لدينا ، لا معنى لالتماس الحجة من الإجماع لكفاية المستند ، على أن مفروض الدليل ان المستند غير واصل إلينا فلا يحتمل أن يكون آية ، كما لا يحتمل أن يكون حكم عقل ، لأن الأحكام العقلية ـ كما يتضح من مفهومها الآتي ـ لا تتوفر إلا إذا تطابق عليها العقلاء ، والمفروض أننا منهم ، فلا يمكن ان تختفي عنا لنحتاج إلى استكشافها من اتفاق الفقهاء ، ومع فرض اختفائها عنها ، فلا تطابق بين العقلاء الملازم لانتفاء الحكم عقلا.
وأما السنة : فالمتواتر منها لا يختفي عنا ، وغير المتواتر لا يكشف عن الحجة سندا ودلالة لاحتمال اعتماد المجمعين على ما لا نتفق معهم على صحة الاعتماد عليه في روايته لو اطلعنا عليها ، ولاحتمال اختلافنا معهم في كيفية استفادة الحكم منها. وقد رأينا في أخبار البئر ما كان متفقا على دلالته في يوم ما ، ثم تبدلت وجهة نظر الفقهاء في العصور المتأخرة فيها ، ومن هنا قيل ان فهم المجتهدين لا يكون حجة على غيرهم من العلماء.
والقياس : لما كان نفسه موضع خلاف كبير بين العلماء ـ كما يأتي تحقيقه ـ لا يمكن ان يكون مستندا للإجماع ، بل لا يمكن ان ينعقد إجماع من غير القائلين به لعدم إمكان استنادهم إليه مع انتهائهم إلى عدم حجيته ، وما قيمة إجماع لا يشترك فيه ما يقرب من نصف الأمة؟
وقد ضربوا له من الأمثلة إجماع الصحابة على إمامة أبي بكر قياسا على تقديمه في الصلاة (١). والمناقشة في هذا المثال واردة صغرى وكبرى :
أما من حيث الصغرى فلعدم انعقاده مع خلاف عشرات من الصحابة أمثال علي عليهالسلام والعباس وولده وبقية بني هاشم وعمار وأبي ذر والزبير والمقداد وسلمان
__________________
(١) الخضري في أصول الفقه : ص ٢٧٧ وغيره.