القطع ينهي إلى ان يكون ما قطع به من الوجوب مثلا غير واجب عليه ، ومعنى ذلك اجتماع الوجوب وعدمه ان صادف قطعه الواقع ، وان لم يصادفه لزم اجتماعهما في نظره لقطعه بوجود الوجوب واقعا وعدم وجوده ، واجتماع القطعين بالنفي والإثبات بالنسبة لشيء واحد محال.
٢ ـ على ان إثبات حجية مثل هذا التصرف بالطريقية أو الحجية ـ لو أمكن ـ فهو مما يحتاج إلى دليل ، فان كان غير القطع احتجنا إلى دليل على حجيته أيضا ، والدليل الثالث على الحجية ان كان غير قطعي احتجنا إلى دليل ، وهكذا إلى ما لا نهاية له. يقول شيخنا النائيني : «طريقية كل شيء لا بد وان تنتهي إلى العلم ، وطريقية العلم لا بد وان تكون ذاتية له لأن كل ما بالغير لا بد وان ينتهي إلى ما بالذات وإلا لزم التسلسل» (١) ومن هنا كان علينا ان نفترض وحدة ينتهي عندها التماس الحجج المجعولة لنقطع السلسلة عن الاستمرار ، وتكون هذه الوحدة مصدرا لجميع الحجج ، وليست هذه الوحدة بالبداهة غير العلم ، فالعلم اذن هو مصدر الحجج وإليه تنتهي ، وكلما لا ينتهي إليه لا يصح الاحتجاج به ولا يكون قاطعا للعذر.
وما دام العلم ذاتيا في طريقيته وعقليا في حجيته والشارع ليس له التصرف فيه رفعا أو وضعا فانه ليس له التصرف أيضا بشيء من أسبابه ، فليس له ان يقول : ان القطع حجة إذا جاء من السبب الفلاني ، وليس بحجة إذا جاء من سبب غيره ، كما نسب إلى الأخباريين ذلك ، حيث منعوا حجية القطع إذا كانت أسبابه عقلية لانتهاء مثل هذا التصرف إلى التصرف في نفس القطع من حيث طريقيته أو حجيته ، وقد قلنا ان هذا التصرف غير ممكن عقلا للأسباب السابقة.
وكما استحال تصرف الشارع بالنسبة إلى الأسباب استحال تصرفه بالنسبة
__________________
(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٣.