أمرنا بالعمل بالقياس ، وهو معنى حجيته ، بل حتى لو أريد من الآية الأمر بالاتعاظ وقلنا : ان المراد من الاعتبار هو هذا المعنى ، فالآية ـ فيما يرى خلاف ـ ظاهرة في جعل الحجية للقياس لأنها «تقرير لأن سنة الله في خلقه أن ما جرى على النظير يجري على نظيره» (١).
ولكن هذه الاستفادة كسابقتها لا يتضح لها وجه وذلك :
أ ـ لأن إثبات الحجية لمطلق الاعتبار بحيث يشمل المجاوزة القياسية ، موقوف على أن يكون المولى في مقام البيان من هذه الجهة ، والمقياس في كونه في مقام البيان هو أننا لو صرحنا بالمعنى الّذي يراد بيانه لكان التعبير سليما ، وظاهر الدلالة على كونه مرادا لصاحبه ، فلو قال الشارع : أحلّ الله البيع ، وأردنا ان نصرح بمختلف البيوع بدلا من الإطلاق لساغ الكلام ، وليس ما يمنع من ذلك إلا التطويل كأن نقول : أحلّ الله البيع العقدي والبيع المعاطاتي ، وهكذا حتى نستوفي جميع أنواع البيوع ...
وإذا صح هذا المقياس عدنا إلى الآية لنرى هل ان سياقها يتسع لهذا النوع من التفصيل كأن نقول : وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فقيسوا يا أولي الأبصار أنفسكم عليهم ، والنبيذ على الخمر ، والضرب على التأفف ، والذرة على البر في الرّبا ، وهكذا أمثال هذا مما يسيغه كلام عربي لتصح نسبة مدلوله إلى قائله؟
ومن هنا يعلم ان الآية ليست واردة لبيان هذا المعنى ، فلا يسوغ الاستدلال بها عليه.
ب ـ ومع التنزل وافتراض مجيئها لبيان هذا المعنى ولو بإطلاقها إلا أنها واردة لجعل الحجية لأصل القياس كدليل ، وأصل القياس لا ينبغي ان يكون موضعا
__________________
(١) مصادر التشريع الإسلامي : ص ٢٦.