لنقاش جذري لما سبق أن قلنا : من أن حجيته يقتضي ان تكون من الضروريات العقلية ، وإنما الخلاف الجذري في الطرق والمسالك الكاشفة عن توفر العلة في الأصل والفرع.
والدليل الوارد لجعل الحجية لأصل الدليل لا يتعرض إلى طرق إثباته ، فكما أن الأدلة الدالة على أن السنة النبوية من مصادر التشريع لا تتكفل جعل الحجية لخبر الواحد الحاكي لها ، بل نحتاج في الاستدلال عليه إلى أدلة أخرى ، فكذلك هنا.
٣ ـ قوله تعالى : (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ)(١).
وقد قرب دلالتها صاحب مصادر التشريع بقوله : «إن الله عزوجل استدل بالقياس على ما أنكره منكر والبعث ، فإن الله عزوجل قاس إعادة المخلوقات بعد فنائها على بدء خلقها وإنشائها أول مرّة ، لإقناع الجاحدين بأن من قدر على بدء خلق الشيء قادر على أن يعيده ، بل هذا أهون عليه ، فهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجية القياس وصحة الاستدلال به ، وهو قياس في الحسيات ، ولكنه يدل على أن النظير ونظيره يتساويان» (٢).
والجواب على هذا التقريب :
أ ـ ان هذه الآية لو كانت واردة لبيان الإقرار على حجية القياس ، لصح ان يعقب بمضمون هذا الإقرار ، ولسلم الكلام ، كأن نقول : قل يحييها الّذي أنشأها أول مرّة ، فقيسوا النبيذ على الخمر ، والذرة على البر ، ولكم بعد ذلك ان تقدروا قيمة هذا النوع من الكلام ـ لو صدر ـ من وجهة بلاغية ، وهل يتسع هذا النوع من
__________________
(١) سورة يس : الآيتان ٧٨ ـ ٧٩.
(٢) انظر : ص ٢٧ من مصادر التشريع.