الشخصي للمجتهد موقوف على إلغاء هذه الفوارق ولا يكون إلا من طريق السبر والتقسيم ، أو غيرها من مسالك العلة المظنونة ، فيلزم الدور أيضا بنفس التقريب السابق.
ج ـ إننا نعلم ومعنا مثبتو القياس أن هذا الحديث معارض بما دلّ على الردع عن إعمال الرّأي (١) ، ولا أقل من تخصيصه بخروج الآراء الفاسدة جمعا بين هذه الأدلة ـ على طريقة أخذ بعضهم بالجموع التبرعية ـ أو أخذا بالضرورة من أن هذا الحديث لم يبق على عمومه ، بالنسبة إلى كل رأي.
فإذا علمنا بأن عندنا نوعين من الرّأي أحدهما فاسد ، وهو المردوع عنه ، والآخر صحيح ، وهو الّذي أقر عليه معاذ ، فمع الشك بحجية القياس الظني ـ والمفروض أننا شاكّون ، ولذلك احتجنا إلى هذه الأدلة ـ لا يصح الرجوع فيها إلى هذا الحديث ، وإلا لزم التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية بداهة أن الحكم في القضايا الحقيقية لا يمكن أن يثبت موضوعه ، فالدليل الدالّ على حجية الرّأي الصحيح لا يشخص لك أن هذا الرّأي صحيح بل عليك بتشخيصه من الخارج وتطبيق الحكم عليه ، وإذن فالقياس الظني لا يكون مدلولا للحديث حتى يثبت من الخارج أنه من القياس الصحيح ، ومع إثباته لا نحتاج بعد إلى هذا الحديث لنتمسك به كدليل على الحجية.
وقد تكون أصرح من هذه الرواية ما أثر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم من أنه قال لمعاذ وأبي موسى الأشعري : «بم تقضيان؟ فقالا : إن لم نجد الحكم في الكتاب ولا السنة ، قسنا الأمر بالأمر ، فما كان أقرب إلى الحق عملنا به» (٢) ، «حيث صرّحوا بالقياس والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أقرهما عليه ، فكان حجة» (٣).
__________________
(١) راجع : إبطال القياس ، لابن حزم : ص ٥٦.
(٢) الأحكام للآمدي : ٣ ـ ٧٧.
(٣) المصدر السابق.