ولكن هذه الرواية ـ بالإضافة إلى ضعفها سندا ، وعدم طبعيتها في صدور الجواب المشترك عنهما بلسان واحد في آن واحد ـ وكأنهما كانا على اتفاق مسبق بالنسبة له ـ يرد عليها الإشكالان السابقان على رواية معاذ من لزوم الدور فيهما لتوقفهما على دفع احتمال الخصوصية فيهما من ناحية ، ودفع احتمال خصوصية القضاء من ناحية ثانية بطريق القياس الظني.
ومع الغضّ عن ذلك وافتراض تماميتها ، فإن مقتضى لسانها جعل الحجية لأصل القياس لا لمسالكه المظنونة التي هي موضع النزاع.
وقد قلنا فيما سبق : ان الدليل الدالّ على أصل الشيء لا يدل بنفسه على الطرق المثبتة له.
ثانيهما : ما ورد من الأحاديث المشعر بعضها باستعمال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للقياس ، وبما أن عمله حجة باعتباره سنة واجبة الاتباع ، فان هذه الطائفة من الأحاديث دالة على حجية القياس.
والأحاديث التي ذكروها كثيرة ، نجتزئ بذكر بعضها ، ثم نعقب عليها بما يصلح ان يكون جوابا عن الجميع.
منها : حديث الجارية الخثعمية أنها قالت : «يا رسول الله ، إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع ان يحج ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحقّ بالقضاء» (١).
ووجه الاحتجاج به كما قربه الآمدي «انه ألحق دين الله بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه ، وهو عين القياس» (٢).
ومنها : الحديث الّذي جاء فيه «انه قال لأم سلمة وقد سئلت عن قبلة الصائم :
__________________
(١) الأحكام للآمدي : ٣ ـ ٧٨.
(٢) المصدر السابق.