مما ذكرنا عنهم.
واعلم ان من أسباب الخلاف الواقع بين العلماء تعارض الروايات والنصوص ، وبعض الناس يزعم أن السبب في ذلك عمر بن الخطاب ، وذلك ان أصحابه استأذنوه في تدوين السنة في ذلك الزمان فمنعهم من ذلك وقال : (لا أكتب مع القرآن غيره) مع علمه أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «اكتبوا لأبي شاه خطبة الوداع» (١). وقال : «قيدوا العلم بالكتابة» (٢) قالوا : فلو ترك الصحابة يدون كل واحد منهم ما روى عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لانضبطت السنة ، ولم يبق بين أحد من الأمة وبين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في كل حديث إلا الصحابي الّذي دون روايته ، لأن تلك الدواوين تتواتر عنهم إلينا كما تواتر البخاري ومسلم ونحوهما» (٣).
ثم أورد بعد ذلك على نفسه بقوله : «فإن قيل : خلاف الأمة في مسائل الأحكام رحمة وسعة ، فلا يحويه حصرهم من جهة واحدة لئلا يضيق بحال الاتساع ، قلنا : هذا الكلام ليس منصوصا عليه من جهة الشرع حتى يمتثل ، ولو كان لكان مصلحة الوفاق أرجح من مصلحة الخلاف فتقدم.
ثم ما ذكرتموه من مصلحة الخلاف بالتوسعة على المكلفين معارض بمفسدة تعرض منه ، وهو ان الآراء إذا اختلفت وتعددت اتبع بعض رخص بعض المذاهب فأفضى إلى الانحلال والفجور كما قال بعضهم :
فاشرب ولط وأزن وقامر واحتجج |
|
في كل مسألة بقول إمام |
يعني بذلك شرب النبيذ وعدم الحد في اللواط على رأي أبي حنيفة ، والوطء في الدبر على ما يعزى إلى مالك ، ولعب الشطرنج على رأي الشافعي.
وأيضا فإن بعض أهل الذّمّة ربما أراد الإسلام فيمنعه كثرة الخلاف وتعدد
__________________
(١) صحيح البخاري : كتاب اللقطة ، الحديث ٢٢٥٤.
(٢) بحار الأنوار : ٦١ ـ ١٢٤.
(٣) رسالة الطوفي : ص ١٠٩ إلى ١١٣.