الآراء ظنا منه انهم يخطئون ، لأن الخلاف مبعود عنه بالطبع ، ولهذا قال الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً)(١) أي يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا ، لا يختلف إلا بما فيه من المتشابهات وهي ترجع إلى المحكمات بطريقها ، ولو اعتمدت رعاية المصالح المستفادة من قوله عليهالسلام : «لا ضرر ولا ضرار» على ما تقرر ، لاتحد طريق الحكم وانتهى الخلاف ، فلم يكن ذلك شبهة في امتناع من أراد الإسلام من أهل الذّمّة وغيرهم» (٢).
ومع الغض عما في نصه هذا من خطابية وتطويل قد لا تكون له حاجة ، ان الاختلاف ضرورة لا يمكن دفعها عن البشر ، وهو لا يستدعي الصراع والخصام المذهبي ما دام أصحابه يسيرون ضمن نطاق الاجتهاد بموضوعية تامة ، وما دامت الأهواء السياسية وغيرها بعيدة عنه.
وهذا النوع من الصراع بين اتباع المذاهب كانت من ورائه دائما عوامل لا ترتبط بالدين.
وكانت السياسة من وراء أكثرها وكثير من هؤلاء المصطرعين لم يكونوا من العلماء المجتهدين ، وإنما كانوا مرتزقة باسم الدين لانسداد أبواب الاجتهاد في هذه الفترات التي أرخ لها ، وحيث يوجد الغرض والهوى والجهل ومحاولات الاستغلال من تجار الضمائر والمبادئ توجد التفرقة والصراع ، وأمثال هؤلاء المفرقين من العلماء إنما هم دمي بيد السلطة تحركها كيف ما تشاء.
وإلا فان العالم الصحيح لا يضره الاختلاف معه في مجالات استنباطه ، وربما سر لعلمه بقيمة ما يأتي به الصراع من تلاقح فكري وإنماء وتطور للأفكار التي يؤمن بها.
__________________
(١) سورة الزمر : الآية ٢٣.
(٢) رسالة الطوفي : ص ١١٦.