والعلماء في مختلف المجالات العلمية يختلفون ، وما سمعنا خلافا أوجب الصراع فيما بينهم باسم العلم فضلا عن أن يدب الصراع إلى أبناء شعوبهم فيقتتلون ، اللهم الا إذا كانت السلطات من ورائه كما هو الشأن في موقف سلطة الكنيسة من بعض العلماء المكتشفين أمثال غاليلو.
والشيعة أنفسهم رأوا طوائف من علمائهم وهم بحكم فتح أبواب الاجتهاد على أنفسهم كانوا يختلفون ، وينقد بعضهم آراء البعض الآخر ، ومع ذلك كله نرى تقديسهم لعلمائهم يكاد يكون منقطع النظير.
وما استشهد به من الآيات والروايات على المنع من الاختلاف أجنبي عن هذا النوع من الاختلاف الّذي يقتضيه البحث الموضوعي ، لأن المنع عن هذا النوع منه تعبير آخر عن الدعوة إلى الجمود وإماتة الفكر والنّظر في شئون الدين ، وهو ما ينافي الدعوة إلى تدبر ما في القرآن والنّظر إلى آياته ، بل ينافي الدعوة إلى تدبر ما في الكون والحث على استعمال العقل ، وهو ما طفحت به كثير من الآيات والأحاديث ، لأن طبيعة التدبر واستعمال الفكر تدعو إلى اختلاف الرّأي.
فالاختلاف المنهي عنه هو الاختلاف الّذي يدعو إلى التفرقة وتشتيت كلمة الأمة ، أي الاختلاف الّذي يستغل عاطفيا لتفرقة الشعوب لا الاختلاف الّذي يدعو إليه البحث الموضوعي وهو من أسباب الألفة والتعاطف بين أربابه ، ففي الاستدلال خلط بين نوعي الاختلاف.
ومع التغافل عن هذه الناحية فان دعواه بأن رعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه ـ فهو سبب الاتفاق ـ لا أعرف لها وجها ، لأن المصالح الحقيقية التي يتطابق عليها العقلاء محدودة جدا ، وما عداها كلها موضع خلاف بل هي نفسها موضع لخلاف كبير في مواقع تطبيقها كما سبق بيانه في مبحث العقل ، فكيف يكون