أحكامه فوضع الدية على العاقلة واشترط الكفاءة في الزواج ... إلخ» (١).
والجواب عنه : إن الشارع لم يراع العرف بما أنه عرف ، وإنما وافقت أحكامه بعض ما عند العرف فأبرزها بطريق الإقرار ، ولذلك اعتبرنا إقراره سنة ، وفرق بين أن يقر حكما لدى أهل العرف لموافقته لأحكامه وبين أن يعتبر نفس العرف أصلا يرجع إليه في الكشف عن الأحكام الواقعية ، فما أقره من الأحكام العرفية يكون من السنة وليس أصلا برأسه في مقابلها.
٣ ـ قولهم : «إن ما يتعارفه الناس من قول أو فعل يصير من نظام حياتهم ومن حاجاتهم ، فإذا قالوا أو كتبوا فإنما يعنون المعنى المتعارف لهم ، وإذا عملوا فإنما يعملون على وفق ما تعارفوه واعتادوه ، وإذا سكتوا عن التصريح بشيء فهو اكتفاء بما يقضي به عرفهم ، ولذا قال الفقهاء : المعروف عرفا كالمشروط شرطا. وقالوا : إن الشرط في العقد يكون صحيحا إذا اقتضاه العقد وورد به الشرع أو جرى به العرف» (٢).
وهذا الدليل لا أعرف له محصلا ، فكون ما يتعارفه الناس يصبح من نظام حياتهم لا يصلح دليلا لاستكشاف الحكم الشرعي منه ، وليس عندنا من الأدلة ما يسمى بنظام الحياة ، والّذي نعرفه من أنظمة الحياة التي تعارف عليها الناس ان بعضها ممضى في الإسلام فهو حجة ، وبعضها غير ممضى فهو ليس بحجة ولا يسوغ الركون إليه ، وكم من العادات والأعراف التي كانت سائدة في الجاهلية قد استأصلت في الإسلام وبعضها مجهول الحال لعدم الدليل عليه نفيا أو إثباتا ، ومثل هذا محكوم بالإباحة الظاهرية.
هذا إذا أريد من العرف العرف في مجاله الأول ، أي العرف الّذي يراد معرفة
__________________
(١) مصادر التشريع : ص ١٢٤.
(٢) المصدر السابق ، والظاهر أن الاستدلال به كسابقه للأستاذ خلاف.