مجموع الروايات في القرعة ومواردها انها جعلت في كل مورد لا يعلم حكمه الواقعي ولا الظاهري ، وهذا المعنى هو المراد من لفظ المشكل في قولهم : «ان القرعة لكل أمر مشكل» وان لم نعثر على رواية بهذا اللفظ.
وهو المراد أيضا من لفظ المشكل المذكور في متون الكتب الفقهية ، فإن المراد من قولهم : هو مشكل أو فيه إشكال ، عدم العلم بالحكم الواقعي ، وعدم الاطمئنان بالحكم الواقعي والظاهري لجهة من الجهات ، لا عدم العلم والاطمئنان بالحكم الواقعي فقط ، إذ الإشكال بهذا المعنى موجود في جميع الأحكام الفقهية سوى القطعيات.
وبالجملة مورد القرعة ، نظرا إلى مورد الروايات الواردة فيها ، هو اشتباه الحكم الواقعي والظاهري ، فالمراد من المجهول في قوله عليهالسلام في رواية «كل مجهول ففيه القرعة» (١) هو المجهول المطلق ـ أي المجهول من حيث الحكم الواقعي والظاهري ـ ثم يقول : وظهر بما ذكرناه انه يقدم الاستصحاب على القرعة تقدم الوارد على المورود ، إذ بالاستصحاب يحرز الحكم الظاهري فلا يبقى للقرعة موضوع بعد كون موضوعه الجهل بالحكم الواقعي والظاهري ـ على ما ذكرناه ـ بل يقدم على القرعة أدنى أصل من الأصول ، كأصالة الطهارة وأصالة الحل وغيرهما مما ليس له نظر إلى الواقع ، بل يعين الوظيفة الفعلية في ظرف الشك في الواقع ، إذ بعد تعيين الوظيفة الظاهرية تنتفي القرعة بانتفاء موضوعها» (٢).
وهذه الاستفادة متينة جدا لو كان لفظ المشتبه موجودا في الروايات. ولكن الموجود فيها «كل مجهول ففيه القرعة» وهي من حيث أخذ الجهل في موضوعها أشبه بأدلة الوظائف الشرعية كالبراءة والاحتياط ، لأخذ عدم العلم فيها ، وهذه
__________________
(١) التهذيب : ٦ ـ ٢٤٠ ، ح ٢٤. والفقيه : ٣ ـ ٩٢ ، ح ٣٣٨٩.
(٢) مصباح الأصول : ص ٣٤٢ وما بعدها.