الأدلة ، لو كانت تامة الدلالة لكانت وظيفة من الوظائف التي يجب الرجوع إليها عند العجز عن تحصيل الحكم الواقعي.
وعلى هذا ، فإن تمت استفادة أستاذنا في أن المراد من المجهول هو الأعم من الحكم الواقعي والظاهري ، ولو بمعونة القرائن المستفادة من الموارد الخاصة التي وردت فيها روايات القرعة ، كانت هي المتعينة وإلا فلا بدّ من جمع آخر.
والظاهر أن الجمع بينها وبين ما دل على الرجوع إلى الأصول عند الشك يختلف من حيث مفاد الأدلة.
فأدلة الأصول الإحرازية ، نظرا لاعتبارها المشكوك متيقنا ، تكون حاكمة عليها ومزيلة للجهل الّذي أخذ في موضوعها تعبدا ، وحسابها حساب أدلة البراءة بالنسبة إلى الاستصحاب.
أما أدلة الوظائف الشرعية ـ براءة أو احتياطا ـ فنسبتها إليها نسبة المخصص لبداهة ان لسان أدلة القرعة وهو : «كل مجهول ففيه القرعة» يعم الجهالة بالأحكام الإلزامية وغيرها ، والجهالة بالأحكام الوضعيّة والتكليفية مهما كان منشأ الجهل ، وأدلة البراءة إنما تتعرض لخصوص الأحكام التي فيها كلفة ، سواء كانت الشبهة فيها موضوعية أم حكمية ، فهي أخص من أدلة القرعة فتقدم عليها بالتخصيص وكذلك أدلة الاحتياط.
وعلى هذا فأدلة القرعة تبقى قائمة في كل ما لم يعرف حكمه الواقعي أو الظاهري ، أي فيما لا مجال لمعرفة رأي الشارع فيه مطلقا حكما أو وظيفة لو لا شبهة إسقاطها بكثرة التخصيص.
وبهذا يظهر ان «ما هو المعروف في ألسنتهم من ان أدلة القرعة قد تخصصت في موارد كثيرة ، وكثرة التخصيص موجبة لوهنها ، فلا يمكن الأخذ بها» (١) لا يخلو
__________________
(١) مصباح الأصول : ص ٣٤٢.