وحيث ان مدارك الأحكام مختلفة جدا فرب حكم بهذا المعنى يبتني استنباطه على مقدمات كثيرة فيصعب استنباطه ، ورب حكم لا يبتني استنباطه إلا على مقدمة واحدة فيسهل استنباطه ، ومع ذلك يمكن ان يقال : ان القدرة على استنباط حكم واحد لا تكون إلا مع القدرة على استنباط جميع الأحكام.
وبالجملة ، حصول فرد من الملكة دون فرد آخر منها بمكان واضح من الإمكان لا يحتاج تصديقه إلى أكثر من تصوره.
ولعل القائل بالاستحالة لم يتصور المراد من التجزي في المقام ، واشتبه تبعيض أفراد الكلي بتبعيض أجزاء الكل ، فإن الثاني هو الّذي تنافيه البساطة ولا دخل له في المقام» (١).
والّذي يبدو لنا من خلال تصورنا لمختلف وجوه المسألة هو :
أقربية القول بعدم الإمكان :
لا لما ذكروه من بساطة الملكة وعدم بساطتها ليقال : «إن التجزئة هي في مصاديق الكلي ، لا في أجزاء الكل ، أو يقال بان الملكة توجد ضيقة على قدر استنباط بعض الأحكام ، ثم تتسع بعد ذلك تدريجا» (٢) بل لما قلناه في مدخل البحث : من ان حقيقة الاجتهاد هو التوفر على معرفة تلكم الخبرات أو التجارب على اختلافها ، فمع توفرها جميعا توجد الملكة ، ومع فقد بعضها تنعدم ، لا أنها توجد ضيقة أو يوجد بعض مصاديقها ، كما يبدو ذلك من كلام الغزالي السابق.
ولست إخال أن أحدا من الأساتذة يلتزم بأن المجتهد في خصوص مباحث الألفاظ ـ مثلا ـ مجتهد متجزّئ لحصوله على بعض مصاديق ملكة الاجتهاد ، لأن الملكة التي تحصل من دراسة مباحث الألفاظ لا تكون اجتهادا اصطلاحيا ما لم
__________________
(١) مصباح الأصول : ص ٤٢١ وما بعدها.
(٢) الرشتي في شرح الكفاية : ٢ ـ ٣٤٢.