خطاب لا مسموع ولا مدلول عليه فكيف يكون فيه حكم؟ فقليل النبيذ إن اعتقد فيه كونه عند الله حراما فمعنى تحريمه انه قيل فيه لا تشربوه ، وهذا خطاب والخطاب يستدعي مخاطبا ، والمخاطب به هم الملائكة أو الجن أو الآدميون ، ولا بد ان يكون المخاطب به هم المكلفون من الآدميين ، ومتى خوطبوا ولم ينزل فيه نصّ ، بل هو مسكوت عنه غير منطوق به ولا مدلول عليه بدليل قاطع سوى النطق ، فإذن لا يعقل خطاب لا مخاطب به ، كما لا يعقل علم لا معلوم له وقتل لا مقتول له ، ويستحيل ان يخاطب من لا يسمع الخطاب ولا يعرفه بدليل» (١).
ولإيضاح مواقع المفارقة في كلامه هذا نضرب المثل في القوانين التي تشرعها الدول والمراحل التي تمر بها وهي ثلاث :
١ ـ مرحلة التشريع ، وهي المرحلة التي ينتزع فيها القانون شرعيته بتصديق البرلمان أو أية جهة مسئولة عنه ، وربما اقتضت المصلحة تأجيل تنفيذه وإبلاغه للمواطنين.
٢ ـ مرحلة التبليغ ، أي مرحلة مخاطبة المواطنين به وإلزامهم بالسير على وفقه.
٣ ـ مرحلة الفعلية ، أي مرحلة وصول القانون إليهم وتبلغهم به.
ومرحلة تنجز التكاليف التي عرض لها القانون هي مرحلة الفعلية ، وعلى أساسها يكون الثواب والعقاب ، وإلا فمرحلة التشريع أو التبليغ إذا لم يصل الحكم إلى المكلف مع فحصه عنه وعجزه عن العثور عليه ، لا تستوجب العقاب لما مرّ بيانه من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل ، وهي قاعدة تطابق عليها العقلاء جميعا ، وإذا تم هذا المثل ، عدنا إلى تطبيقه على أحكام الشارع ، فالحديث القائل بما مؤداه : «ما من واقعة إلا ولله فيها حكم حتى أرش الخدش» (٢) ، تشير
__________________
(١) المستصفى : ٢ ـ ١١٦.
(٢) الكافي : ١ ـ ٢٤١ ، ح ٥ ، وفيه : «وليس من قضية إلاّ وهي فيها [الصحيفة الجامعة] حتى أرش الخدش».