إلى مقام الثبوت ، أي إلى المرحلة الأولى.
ومن البديهي ان جميع افعال المكلفين حاضرة لديه تعالى وعالم بما فيه المصلحة منها مما ليس فيه ، ومع حضورها لديه في مقام الثبوت ، فلا بدّ وان يكون قد جعل لها حكما.
ومرحلة بعث الرسل مرحلة تبليغ لما هو مشرع في مقام الثبوت ، وقد تقتضي مصلحة التدرج في التبليغ تأخير تبليغ بعض الأحكام كما وقع ذلك في أول البعثة.
أما مرحلة الفعلية فهي مرحلة وصول التكاليف.
وبهذا يتضح ان ظنون المجتهدين ـ لو تمت حجيتها ـ فهي لا تتعدى دور تنجيز الأحكام وإيصالها إلى المكلفين ، أي إعطاء الأحكام صفة الفعلية والوصول ، لا أن الشارع يخلق أحكاما على وفقها كما يريد ان يقول الغزالي.
ومن هنا تتبين أوجه المفارقة في كلامه ، فقوله : «إن ذلك حكم في حق من بلغه لا في حق من لم يبلغه» ، إذا أراد به الحكم في مرحلة الفعلية فهو صحيح ، وإن أراد به ـ كما هو ظاهر كلامه ـ الحكم بما هو حكم صادر من الشارع في مرحلة التشريع فهو مستحيل لاستحالة أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم نفسه ، للزوم الدور لبداهة ان العلم يستدعي معلوما سابقا في الرتبة عليه ، إذ لا يعقل ، كما يقول هو ، ان يكون علم لا معلوم له ، فإذا افترضنا ان العلم موقوف على وجود معلومه ، وهو الحكم ، وافترضنا ان الحكم لا يوجد إلا بعد بلوغه ـ أي بعد العلم به ـ لزم الدور بداهة لتوقف كل منهما على الآخر المستلزم لتوقف الشيء على وجود معلومه ، وهو الحكم ، وافترضنا ان الحكم لا يوجد إلا بعد بلوغه ـ أي بعد العلم به ـ لزم الدور بداهة لتوقف كل منهما على الآخر المستلزم لتوقف الشيء على نفسه ، وذلك بإسقاط المتكرر منهما. فقولنا : العلم موقوف على الحكم ، والحكم موقوف على العلم به ، ينتج بعد إسقاط المتكرر ان العلم موقوف على العلم ، أو الحكم موقوف على الحكم. ومن هنا قالوا باستحالة تقييد الأحكام بخصوص العالمين بها.
وما يقال عن العلم يقال عن الظن ، لأن الظن يستدعي افتراض مظنون سابق