وقد كانت لهم محاولات في دفع هذا الإشكال لا يخلو أكثرها من مؤاخذة (١) ، ولعل أبعدها عن المؤاخذات ما ذكره بعض أساتذتنا من أن الأحكام لما كانت من سنخ الأمور الاعتبارية ـ والاعتبار خفيف المئونة ـ فلا مضادة بين اعتبارين ذاتا وإنما يقع التضاد بينهما عرضا ، إما لتضاد مبادئهما أو لتضاد فيما ينتهيان إليه ، أما من حيث المبادئ فلا تضاد بينهما هنا «لما أفاده في الكفاية من ان الأحكام الظاهرية ناشئة عن مصالح في جعلها ، والأحكام الواقعية ناشئة عن المصلحة في متعلقاتها ، سواء كانت راجعة إلى المكلّف ـ بالكسر ـ فيما أمكن ذلك أو إلى المكلّف ـ بالفتح ـ كما في الأحكام الشرعية ، فلا يلزم من اجتماعهما وجود المصلحة والمفسدة أو وجود المصلحة أو المفسدة وعدمه في شيء واحد ، وهكذا الشوق أو الكراهة ، ففي الأحكام الواقعية يكون الشوق أو الكراهة متعلقا بنفس المتعلق ، وفي الأحكام الظاهرية بنفس الجعل كما في إيجاب الاحتياط حفظا للواقع أو جعل البراءة تسهيلا على المكلفين.
وأما من ناحية المنتهى ، فلأنه لا يعقل وصولهما معا إلى المكلف ، إذ عند وصول الحكم الواقعي لا يبقى موضوع للحكم الظاهري ، وما لم يصل الحكم الواقعي يكون الواصل هو الحكم الظاهري فقط ، فأين وصولهما عرضا ليبقى المكلف متحيرا في مقام الامتثال» (٢) وغير قادر عليه؟
وهذا الجواب متين جدا لو التزمنا بوجود أحكام ظاهرية ، اما مع إنكار وجودها من الأصل فلا حاجة إلى محاولة للجمع بينها.
__________________
(١) لاحظ تفصيل ذلك في مبحث الظن في كل من :
ـ فرائد الأصول : للشيخ الأنصاري قدس سرّه.
ـ كفاية الأصول : للمحقق الآخوند الخراسانيّ قدس سرّه.
ـ حقائق الأصول : للسيد الحكيم قدس سرّه وغير ذلك.
(٢) دراسات : ٣ ـ ٧٥.