فلو (١) قال : «ملّكتك كذا بكذا» كان بيعا (٢) ، ولا يصحّ صلحا ولا هبة معوّضة
______________________________________________________
أفاد : أنّ حقيقة الصلح هي التسالم على أمر ، وليس التمليك مأخوذا فيها ، وأنّ الهبة المعوّضة ليست تمليكا على وجه المقابلة بأن يدخل العوض في ملك الواهب بمجرد هبته ، بل هبة المتهب تمليك جديد ، وقد دخل الموهوب في ملكه سواء وفى بالشرط أم لا.
ومن هنا يعلم أنّ «تمليك عين بعوض» ـ على وجه المقابلة بين العوضين ـ منحصر في البيع ، فلذا لو أنشأ البائع الإيجاب بالتمليك لا بالبيع كان بيعا لا معاملة أخرى ، بأن قال : «ملكتك الكتاب بدينار» فإنّه متحد مفهوما مع قوله : «بعتك الكتاب بدينار» ولا يكون هذا التمليك صلحا ولا هبة معوّضة ، إذ ليس المنشأ فيهما جعل مال عوض مال آخر. والمفروض كما عرفت أنه جعل في قوله : «ملكتك الكتاب بدينار» مال وهو الدينار عوض الكتاب.
(١) هذه نتيجة انحصار «تمليك عين بعوض على وجه المقابلة بين المالين» في البيع ، وعدم كون هذا النحو من التمليك مشتركا معنويا جامعا بين البيع والصلح على عين والهبة المعوّضة ، ولا مشتركا لفظيا بينها. وعليه فحقيقة التمليك بالعوض هي البيع ، واستعماله فيما عداه مجاز يتوقف إرادته على قرينة.
(٢) أمّا كونه بيعا فلأنّ مضمون هذه الصيغة الخاصة ليس إلّا البيع ، والمفروض قصده في مقام الإنشاء. وأمّا عدم كونه صلحا ولا هبة فواضح ، لأنّه إمّا أن يقصد الموجب بقوله : «ملّكتك كذا بكذا» الصلح أو الهبة المشروطة بالعوض ، وإما أن لا يقصد شيئا منهما. فإن قصد أحد الأمرين لم يقع ، لما تقرّر من أنّ المعاملات وإن كانت متوقفة على القصد ، ولذا قيل : «العقود تابعة للقصود» إلّا أن تأثير القصد في حصول المقصود منوط بكون اللفظ كاشفا عمّا قصده ، وظاهرا فيه عرفا ولو بوضع ثانوي ، فلو لم يكن اللفظ كذلك لم يؤثّر في حصول المقصود. وإن لم يقصد بقوله : «ملّكتك كذا بكذا» أحد الأمرين من الصلح والهبة ، كان عدم تحققهما من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وكان كإنشاء النائم والهازل في عدم تأثيره في حصول العنوان الاعتباري.