قال المفسّرون : وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلىاللهعليهوسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال له : «المريسيع» من ناحية «قديد» إلى السّاحل فازدهم أجير لعمر يقال له : «جهجاه بن سعيد الغفاري» يقود له فرسه بحليف لعبد الله بن أبيّ ، يقال له : «سنان بن وبرة الجهنيّ» حليف بني عوف من الخزرج على ماء «بالمشلّل» فصرخ جهجاه بالمهاجرين ، وصرخ سنان بالأنصار فلطم جهجاه سنانا وأعان عليه جهجاه فأعان جهجاه رجل من المهاجرين يقال له : حقال ، وكان فقيرا ، فقال عبد الله بن أبي : أوقد فعلوها؟ والله ما مثلنا ومثلهم إلّا كما قال الأول : «سمّن كلبك يأكلك» أما ـ والله ـ لئن رجعنا إلى «المدينة» ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، يعني محمداصلىاللهعليهوسلم ثم قال لقومه : كفوا طعامكم عن هذا الرجل ، لا تنفقوا على من عنده حتى ينفضّوا ويتركوه ، فقال زيد بن أرقم ـ وهو من رهط عبد الله ـ أنت ـ والله ـ الذليل المنتقص في قومك ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم في عز من الرحمن ، ومودة من المسلمين ، والله لا أحبّك بعد كلامك هذا أبدا ، فقال عبد الله : اسكت إنما كنت ألعب ، فأخبر زيد النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله ، فأقسم بالله ما فعل ولا قال ، قال : فعذره النبي صلىاللهعليهوسلم قال زيد بن أرقم : فوجدت في نفسي ولا مني الناس ، فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله ، فقيل لعبد الله : قد نزلت فيك آيات شديدة ، فاذهب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليستغفر لك ، فألوى رأسه فنزلت الآيات. خرجه البخاري والترمذي بمعناه (١).
وقيل : معنى قوله : (يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ) يستتبكم من النّفاق ، لأن التوبة استغفار (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) أي يعرضون عن الرسول (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) أي متكبرون عن الإيمان(٢).
قيل : قال ابن أبيّ لما لوى رأسه : أمرتموني أن أومن فقد آمنت ، وأن أعطي الزكاة من مالي فقد أعطيت ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد.
قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ).
قرأ العامّة : «أستغفرت» بهمزة مفتوحة من غير مدّ ، وهي همزة التسوية التي أصلها الاستفهام.
وقرأ يزيد (٣) بن القعقاع : «آستغفرت» بهمزة ثم ألف.
فاختلف الناس في تأويلها :
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٥٢٠) كتاب التفسير ، باب قوله : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل رقم (٤٩٠٧).
(٢) ينظر : القرطبي ١٨ / ٨٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣١٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٦٩ ، والدر المصون ٦ / ٣٢١.