(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ).
قال القرطبي (١) : «هذا يدل على وجوب تعجيل إخراج الزّكاة ولا يجوز تأخيرها أصلا وكذلك سائر العبادات إذا دخل وقتها».
قال ابن الخطيب (٢) : وبالجملة فقوله : (لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) تنبيه على المحافظة على الذّكر قبل الموت ، وقوله : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) : تنبيه على الشكر كذلك.
قوله : (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي).
أي : هلّا أخّرتني.
وقيل : «لا» صلة ، فيكون الكلام بمعنى التّمنّي.
أي لو أخرتني إلى أجل قريب فنسأل الرجعة إلى الدنيا لنعمل صالحا.
روى الترمذي عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال : «من كان له مال يبلّغه حجّ بيت ربّه أو يجب عليه فيه زكاة فلم يفعل ، سأل الرّجعة عند الموت ، فقال رجل : يا ابن عبّاس ، اتّق الله ، إنّما سأل الرّجعة الكفّار ، فقال : سأتلو عليك بذلك قرآنا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) إلى قوله (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) قال : فما يوجب الزّكاة؟ قال : إذا بلغ المال مائتين فصاعدا ، قال : فما يوجب الحجّ؟ قال : الزاد والراحلة» (٣).
قال القرطبيّ : ذكره الحليمي في كتاب «منهاج الدين» مرفوعا ، فقال : وقال ابن عبّاس قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كان عنده مال يبلّغه الحجّ» الحديث (٤).
قال ابن العربيّ : «أخذ ابن عباس بعموم الآية في إنفاق الواجب خاصة دون النفل ، فأما تفسيره بالزّكاة فصحيح كلّه عموما وتقديرا بالمائتين.
وأما القول بالحج ففيه إشكال ؛ لأننا إن قلنا : الحج على التراخي ففي المعصية بالموت قبل الحج خلاف بين العلماء ، فلا تخرج الآية عليه.
وإن قلنا : الحج على الفور فالعموم في الآية صحيح لأنّ من وجب عليه الحج فلم
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٨٥.
(٢) ينظر : التفسير الكبير ٣٠ / ١٨.
(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ٣٩٠) رقم (٣٣١٦) والطبري في «تفسيره» (١٢ / ١١٠) عن ابن عباس موقوفا.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٤٠) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه.
(٤) ينظر الحديث السابق.