الشرط الذي يدل عليه التمني ، ولا موضع له هنا لأنّ الشرط ليس بظاهر ، وإنما يعطف على الموضع بحيث يظهر الشرط ، كقوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) فمن جزم عطفه على موضع (فَلا هادِيَ لَهُ) ؛ لأنه لو وقع موقعه فعل لا نجزم» انتهى.
وهذا الذي نقله سيبويه هو المشهور عند النحويين.
ونظّر ذلك سيبويه بقول زهير رحم الله المؤمنين : [الطويل]
٤٧٧٧ ـ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (١) |
فخفض «ولا سابق» عطفا على «مدرك» الذي هو خبر «ليس» على توهم زيادة الباء فيه قد كثر جرّ خبرها بالباء المزيدة ، وهو عكس الآية الكريمة ؛ لأنه في الآية جزم على توهّم سقوط الفاء ، وهنا خفض على توهّم وجود الباء ، ولكن الجامع توهم ما يقتضي جواز ذلك.
قال شهاب الدين (٢) : «ولكني لا أحب هذا اللفظ مستعملا في القرآن الكريم ، فلا يقال : جزم على التوهم لقبحه لفظا».
وقال أبو عبيد : رأيت في مصحف عثمان «أكن» بغير واو.
وقد فرق أبو حيان بين العطف على الموضع والعطف على التوهم فقال (٣) : «الفرق بينهما أنّ العامل في العطف على الموضع موجود ، وأثره مفقود ، والعامل في العطف على التوهم مفقود ، وأثره موجود». انتهى.
قال شهاب الدين (٤) : «مثال الأول «هذا ضارب زيد وعمرا» فهذا من العطف على الموضع فالعامل وهو «ضارب» موجود ، وأثره وهو النصب مفقود ، ومثال الثاني ما نحن فيه ، فإن العامل للجزم مفقود وأثره موجود ، وأصرح منه بيت زهير ، فإن الباء مفقودة وأثرها موجود ، ولكن أثرها إنما ظهر في المعطوف لا في المعطوف عليه ، وكذلك في الآية الكريمة ، ومن ذلك أيضا بيت امرىء القيس : [الطويل]
٤٧٧٨ ـ فظلّ طهاة اللّحم من بين منضج |
|
صفيف شواء أو قديد معجّل (٥) |
فإنهم جعلوه من العطف على التوهّم ، وذلك أنه توهّم أنه أضاف «منضج» إلى «صفيف» وهو لو أضافه إليه فجره فعطف «قديد» على «ضعيف» بالجر توهما لجرّه بالإضافة».
__________________
(١) تقدم.
(٢) الدر المصون ٦ / ٣٢٣.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٧١.
(٤) الدر المصون ٦ / ٣٢٣.
(٥) تقدم.