وفي الصحيح من حديث ابن مسعود : «وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها ، وإن كان أحدكم ليعمل بعمل أهل النّار حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنّة فيدخلها» (١).
وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد الساعدي : أن رسول الله قال : «إنّ الرّجل ليعمل عمل أهل الجنّة فيما يبدو للنّاس وهو من أهل النّار ، وإنّ الرّجل ليعمل عمل أهل النّار فيما يبدو للنّاس وهو من أهل الجنّة» (٢).
قال القرطبي (٣) رحمهالله : قال علماؤنا : والمعنى تعلق العلم الأزلي بكل معلوم ، فيجري ما علم وأراد وحكم ، فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحوال ، وقد يريده إلى وقت معلوم ، وكذلك الكفر. وقيل : في الكلام محذوف تقديره : فمنكم كافر ومنكم مؤمن ومنكم فاسق ، فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه. قاله الحسن.
وقال غيره : لا حذف فيه ؛ لأن المقصود ذكر الطرفين.
وقيل : إنه خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا ، والتقدير : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) ، ثم وصفهم فقال : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) كقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥] الآية ، قالوا : فالله خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام : «كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه» (٤).
قال البغوي (٥) : وروينا عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا» (٦).
وقال تعالى : (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) [نوح : ٢٧].
وروى أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «وكل الله بالرّحم ملكا ، فيقول : أي : ربّ نطفة ،
__________________
ـ «الكامل» (٦ / ٢٧٦) من طريق أبي هلال الراسبي عن قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ناجية بن كعب عن عبد الله بن مسعود.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٩٦) وقال : رواه الطبراني وإسناده جيد.
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الجامع لأحكام القرآن (١٨ / ٨٨).
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : معالم التنزيل ٤ / ٣٥٢.
(٦) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٥٠) كتاب القدر ، باب : معنى كل مولود يولد على الفطرة حديث (٢٩ / ٢٦٦١) والخطيب (٦ / ١٤٨) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب مرفوعا.