روى الطّبري عن عكرمة في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ). قال : كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلىاللهعليهوسلم فيقول أهله : أين تذهب وتدعنا؟.
قال : فإذا أسلم وفقه قال : لأرجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن. قال : فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١).
وقال مجاهد في هذه الآية : ما عادوهم في الدنيا ، ولكن حملتهم مودتهم لهم على أن اتخذوا لهم الحرام فأعطوه إياهم (٢).
والآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد ، وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم (٣).
قوله : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ).
أي : بلاء واختبار يحملكم على كسب الحرام ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله (٤).
وفي الحديث : «يؤتى برجل يوم القيامة ، فيقال : أكل عياله حسناته» (٥).
وقال بعض السلف : العيال سوس الطاعات.
وقال ابن مسعود : لا يقولن أحدكم : اللهم اعصمني من الفتنة ، فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال ولا ولد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن ليقل : اللهم إني أعوذ بك من مضلّات الفتن (٦).
وقال الحسن في قوله تعالى : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ) ، أدخل «من» للتبعيض ؛ لأن كلهم ليسوا بأعداء ، ولم يذكر من في قوله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ؛ لأنهما لا يخلوان من الفتنة ، واشتغال القلب بهما.
روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب ، فجاء الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثم قال : صدق الله ـ عزوجل ـ :
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١١٧) عن عكرمة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ١١٧) عن مجاهد.
(٣) لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
(٤) ينظر القرطبي ١٨ / ٩٤.
(٥) تقدم.
(٦) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٤٥) وعزاه إلى ابن المنذر والطبراني عن عبد الله بن مسعود.