(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) نظرت إلى هذين الصّبيّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما ثمّ أخذ في خطبته (١).
(وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ). يعني : الجنة ، فلا أعظم أجرا منها (٢).
قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
قال قتادة ، والربيع بن أنس ، والسّدي ، وابن زيد : هذه الآية ناسخة لقوله (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢].
ذكر الطبري عن ابن زيد في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) قال : جاء أمر شديد ، قال : ومن يعرف هذا ويبلغه ، فلما عرف الله أنه اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم ، وجاء بهذه الآية الأخرى فقال : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(٣).
وقال ابن عباس : هي محكمة لا نسخ فيها ، ولكن حق تقاته أن تجاهد لله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم (٤).
فإن قيل : إذا كانت الآية غير منسوخة ، فكيف الجمع بين الآيتين ، وما وجه الأمر باتقائه حق تقاته مطلقا من غير تخصيص ، ولا مشروط بشرط ، والأمر باتقائه بشرط الاستطاعة؟.
فالجواب (٥) : أن قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) معناه فاتقوا الله أيها الناس وراقبوه فيما جعله فتنة لكم من أموالكم وأولادكم أن تغلبكم فتنتهم وتصدكم عن الواجب لله عليكم من الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام فتتركوا الهجرة وأنتم مستطيعون ، وذلك أن الله ـ تعالى ـ قد كان عذر من لم يقدر على الهجرة بتركها ، لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) إلى قوله : (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) [النساء : ٩٧] ، فأخبر أنه قد عفا عمن لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا بالإقامة في دار
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٣٧٧٦) وابن أبي شيبة (١٢ / ٩٩ ـ ١٠٠) رقم (١٢٢٣٧) وأبو داود (١١٠٩) وابن ماجه (٣٦٠٠) والحاكم (٤ / ١٨٩ ـ ١٩٠) والنسائي (٣ / ١٠٨ ـ ١٢٨) وابن حبان (٢٢٣٠ ـ موارد) والطبراني في «تفسيره» (١٢ / ١١٨) من طريق علي بن الحسين بن واقد ثني أبي ثنا عبد الله بن بريدة قال سمعت أبي بريدة فذكره مرفوعا.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٤٥) وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
(٢) ينظر : القرطبي (١٨ / ٩٤).
(٣) تقدم تخريجه في سورة آل عمران.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : القرطبي ١٨ / ٩٥ ـ ٩٦.