وقال الحسن : بالطّغيان (١) فهي مصدر ك «العاقبة» و «الكاذبة» ، أي : أهلكوا بطغيانهم وكفرهم ، وبوضحه : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) [الشمس : ١١].
قال ابن الخطيب (٢) : وهذا منقول عن ابن عبّاس ، قال : وقد طعنوا فيه بوجهين :
الأول : قال الزجاج : إنه لما ذكر في الجملة الثانية نوع الشيء الذي وقع به العذاب ، وهو قوله تعالى : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) وجب أن يكون الحال في الجملة الأولى كذلك حتى تحصل المناسبة.
والثاني : قال القاضي : لو كان المراد ما قالوه لكان من حق الكلام أن يقال : أهلكوا لها ولأجلها.
ف «الباء» للسببية على الأقوال إلّا على قول قتادة ، فإنها فيه للاستعانة ك «عملت بالقدوم».
قوله : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ). أي : باردة تحرق ببردها كإحراق النار مأخوذ من الصّرصر وهو البرد. قاله الضحاك (٣).
وقيل : إنّها لشديدة الصوت.
وقال مجاهد : إنّها لشديدة السّموم (٤) ، و «عاتية» عتت على خزّانها فلم تطعهم ، ولم يطيقوها من شدة هبوبها غضبت لغضب الله.
وقال عطاء عن ابن عباس : عتت على عاد فقهرتهم ، فلم يقدروا على ردّها بحيلة من استناد إلى جبل ، بل كانت تنزعهم من مكانهم وتهلكهم (٥).
وروى سفيان الثوريّ عن موسى بن المسيّب عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أرسل الله من نسمة من ريح إلّا بمكيال ولا قطرة من ماء إلّا بمكيال إلا يوم عاد ويوم قوم نوح فإنّ الماء يوم قوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل» ، [(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) الآية والرّياح لمّا كان يوم عاد غشت على الخزائن ولم يكن لهم عليها سبيل] ، ثم قرأ : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ)(٦).
__________________
(١) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ٧٦) والقرطبي (١٨ / ١٦٨).
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٩١.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٠٨).
(٤) ينظر المصدر السابق.
(٥) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ٩٢.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٠٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٠٥) وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد.
وقد روي عن ابن عباس مرفوعا ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٠٥) وعزاه إلى أبي الشيخ في «العظمة» والدارقطني في «الأفراد» وابن مردويه وابن عساكر.
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٢٠٨) عن علي بن أبي طالب موقوفا.