قال ابن الأثير : المجاديح واحدها «مجدح» والياء زائدة للإشباع ، والقياس أن يكون واحدها مجداح ، فأما مجدح فجمعه «مجادح» ، والمجدح : نجم من النجوم.
قيل : هو الدبران.
وقيل : هو ثلاثة كواكب ، كالأثافي تشبيها له بالمجدح ، الذي له ثلاث شعب ، وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر ، فجعل الاستغفار مشبها بالأنواء ، مخاطبة لهم بما يعرفونه لا قولا بالأنواء ، وجاء بلفظ الجمع ؛ لأنه أراد الأنواء جميعها التي يزعمون أن من شأنها المطر.
وشكى رجل إلى الحسن الجدوبة ، فقال له : استغفر الله ، وشكى آخر إليه الفقر ، فقال له : استغفر الله ، وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولدا ، فقال له : استغفر الله ، وشكى إليه آخر جفاف بساتينه فقال له : استغفر الله ، فقلنا له في ذلك ، فقال ما قلت من عندي شيئا ، إنّ الله تعالى يقول في سورة «نوح» : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً).
فإن قيل : إنّ نوحا ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمر الكفار أولا بالعبادة ، والطّاعة ، فأيّ فائدة في أن أمرهم بعد ذلك بالاستغفار.
فالجواب (١) : لمّا أمرهم بالعبادة قالوا له : إن كان الدين الذي كنّا عليه حقا ، فلم تأمرنا بتركه ، وإن كان باطلا ، فكيف يقبلنا بعد أن عصيناه ، فقال نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ : إنكم وإن كنتم قد عصيتموه ولكن استغفروا من تلك الذنوب فإنّه سبحانه كان غفارا.
فإن قيل : فلم قيل : إنه كان غفارا ، ولم يقل : إنّه غفار؟.
فالجواب : كأنه يقول : لا تظنوا أن غفرانه إنما حدث الآن بل هو أبدا هكذا عادته أنه غفار في حق من استغفر.
قوله : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً).
قيل : الرجاء هنا بمعنى الخوف ، أي : ما لكم لا تخافون لله عظمة ، وقدرة على أحدكم بالعقوبة ، أي : أيّ عذر لكم في ترك الخوف من الله ؛ قال الهذليّ : [الطويل]
٤٨٧٩ ـ إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها |
|
........... (٢) |
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ١٢٢.
(٢) صدر بيت لأبي ذؤيب الهذلي وعجزه :
وخالفها في بيت نوب عواسل
ينظر ديوانه ١٤٣٨ ، ومجاز القرآن ١ / ٢٧٥ ، ٢ / ٧٣ وفيه (نوب عوامل) بدل من (نوب عواسل) وجمهرة الأشعار ٩ ، والطبري ١١ / ١٥٦.