قال محمد بن كعب : كان لآدم خمس بنين : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، وكانوا عبّادا ، فمات رجل منهم فحزنوا عليه ، فقال الشيطان : أنا أصور لكم مثله ، إذا نظرتم إليه ذكرتموه ، قالوا : افعل ، فصوّره في المسجد ، من صفر ورصاص ، ثم مات آخر ، فصوره حتى ماتوا كلّهم ، وصوروهم وتناقصت الأشياء كما ينقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين ، فقال لهم الشيطان : ما لكم لا تعبدون شيئا؟.
قالوا : وما نعبد؟.
قال آلهتكم وآلهة آبائكم ، ألا ترونها في مصلاكم؟ فعبدوها من دون الله ، حتى بعث الله نوحا ، فقالوا : (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً) الآية (١).
وقال محمد بن كعب أيضا ومحمد بن قيس : بل كانوا قوما صالحين ، بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم فلما ماتوا زيّن لهم إبليس أن يصوروا صورهم ؛ ليتذكروا بها اجتهادهم ، وليتسلوا بالنظر إليها فصوّروهم ، فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا ، ما هذه الصور التي كان يعبدها آباؤنا؟ فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر ، فعبدوها فابتدىء عبادة الأوثان من ذلك الوقت (٢).
وبهذا المعنى فسر ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة : أنّ أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بأرض الحبشة ، تسمى مارية فيها تصاوير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ أولئك كان إذا مات فيهم الرّجل الصّالح ، بنوا على قبره مسجدا ، ثمّ صوّروا فيه تلك الصّور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» (٣).
وذكر الثعلبيّ عن ابن عباس قال : هذه الأصنام أسماء رجال صالحين ، من قوم نوح فلمّا هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن ينصبوا في مجالسهم أنصابا ، ويسمونها بأسمائهم (٤).
وهذا بعيد ، لأن نوحا ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو الآمر لهم بتركها وذلك يدل على أنّهم كانوا قبل نوح ، حتى أرسل نوح إليهم.
وروي عن ابن عباس : أنّ نوحا ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يحرس جسد آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ على جبل الهند فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره ، فقال لهم الشيطان : إن هؤلاء ، يفخرون عليكم ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم ، وإنما هو جسد ،
__________________
(١) ينظر المصدر السابق وأخرجه عبد بن حميد كما في «الدر المنثور» (٦ / ٤٢٧).
(٢) ينظر المصدر السابق وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» كما في «الدر المنثور» (٦ / ٤٢٧).
(٣) تقدم.
(٤) تقدم تخريجه.